للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» " (١) .

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِشْعَارِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْجَمَاعَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، وَهُوَ ضَمُّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الِاثْنَيْنِ حَسَبَ تَحَقُّقِهِ فِي الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ تَتَصَرَّفُ الْعَرَبُ وَتَقُولُ: جَمَعْتُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَاجْتَمَعَا وَهُمَا مُجْتَمِعَانِ، كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ، فَكَانَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الِاثْنَيْنِ يُخْبِرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَيَقُولَانِ: قُمْنَا وَقَعَدْنَا وَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا كَمَا تَقُولُ الثَّلَاثَةُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فِي مَخَافَةٍ: أَقْبَلَ الرِّجَالُ.

وَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ حَقِيقَةٌ فِي الِاثْنَيْنِ، إِذِ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.

قَالَ النَّافُونَ لِذَلِكَ: أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} ، فَالْمُرَادُ بِهِ مُوسَى وَهَارُونُ وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَهُمْ جَمْعٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فَكُلُّ طَائِفَةٍ جَمْعٌ.

وَأَمَّا قِصَّةُ دَاوُدَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، فَإِنَّ الْخَصْمَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَيُقَالُ: هَذَا خَصْمِي وَهَؤُلَاءِ خَصْمِي، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ كَانَ وَاحِدًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ، فَالْمُرَادُ بِهِ الثَّلَاثَةُ، وَحَيْثُ وَرَّثْنَاهَا السُّدُسُ مَعَ الْأَخَوَيْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَنْطُوقِ اللَّفْظِ، بَلْ لِمَفْهُومِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ (٢) .

وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} يُوسُفُ وَأَخُوهُ وَشَمْعُونُ الَّذِي قَالَ {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}


(١) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: - بَابُ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ: هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظٌ حَدِيثٌ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ مِنْهَا فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - انْظُرْ تَفْصِيلَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْبَارِي
(٢) لَمْ يَنْعَقِدْ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَوْرِيثِ الْأُمِّ السُّدُسَ مَعَ الْأَخَوَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا يَجِيءُ مِنْ خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعُثْمَانَ وَمُنَاقَشَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>