للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَوَابُ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ قَوْلِ الْوَاحِدِ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَمَاعَةٍ.

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِخْبَارُ غَيْرِهِمَا عَنْهُمَا بِذَلِكَ، فَلَا يُقَالُ: عَنِ الِاثْنَيْنِ قَامُوا وَقَعَدُوا، بَلْ قَامَا وَقَعَدَا.

وَجَوَابُ الْإِطْلَاقِ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَةٌ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ قَوْلِهِ: جَاءَ الرِّجَالُ عِنْدَمَا إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ فِي حَالِ الْمَخَافَةِ، وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِجَمْعٍ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَمَّا حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَسِتٌّ: الْأُولَى: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ حِينَ رَدَّ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِأَخَوَيْنِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ، وَلَيْسَ الْأَخَوَانِ إِخْوَةٌ فِي لِسَانِ قَوْمِكَ. فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ (١) ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ لَمَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عُثْمَانَ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَفُصَحَاءِ الْعَرَبِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجَالٍ، فَإِطْلَاقُ اسْمِ الرِّجَالِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ رَفْعٌ لِهَذَا الْفَرْقِ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ إِطْلَاقُ الرِّجَالِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ لَصَحَّ نَعْتُهُمَا بِمَا يُنْعَتُ بِهِ الرِّجَالُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ ثَلَاثَةٌ كَمَا يُقَالُ: جَاءَنِي رِجَالٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: رَأَيْتُ اثْنَيْنِ رِجَالًا كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ.

الرَّابِعَةُ: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَقَالُوا فِي الِاثْنَيْنِ: فَعَلَا، وَفِي الْجَمِيعِ: فَعَلُوا.

الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَا رَأَيْتُ رِجَالًا، بَلْ رَجُلَيْنِ.

وَلَوْ كَانَ اسْمُ الرِّجَالِ لِلرَّجُلَيْنِ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ.


(١) ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى هَذَا الْأَثَرَ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِي صِحَّةِ هَذَا الْأَثَرِ نَظَرٌ فَإِنَّ شُعْبَةَ هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَارْجِعْ إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>