وَالْمُخْتَارُ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ أَنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي الْمُسْتَبْقِي وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُخَصَّصُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا عَقْلِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا بِاسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَقْيِيدٍ بِصِفَةٍ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَالْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ كُلِّ الْجِنْسِ، فَصَرْفُهُ إِلَى الْبَعْضِ بِالْقَرِينَةِ كَيْفَمَا كَانَتِ الْقَرِينَةُ.
أَمَّا أَنْ يَكُونَ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ، وَإِلَّا كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِغْرَاقِ، ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا بِالْبَعْضِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ، وَعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنًى جَامِعٍ يَكُونُ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ، (١) وَالْمُشْتَرَكِ لَا يَكُونُ ظَاهِرًا بِلَفْظِهِ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ (٢) ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَجَازًا.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجِنْسِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا (٣) وَلَا مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا؟ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ الْمُسْتَبْقِي أَنَّ اللَّفْظَ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ حَقِيقَةً قَبْلَ التَّخْصِيصِ، فَخُرُوجُ غَيْرِهِ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً فِي الْجِنْسِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَكِنْ مَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ بِمُطْلَقِهِ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِغْرَاقِ؟ وَمَعَ الْقَرِينَةِ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ، سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ بَقَائِهِ حَقِيقَةً فِيهِ، وَلَكِنْ مَتَى إِذَا كَانَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ لَفْظِيًّا مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ الْمُخَصَّصُ لَفْظِيًّا مُتَّصِلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا أَوْ تَقْيِيدًا بِصِفَةٍ أَوِ اسْتِثْنَاءً، فَإِنَّ الْكَلَامَ يَصِيرُ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ كَلَامًا آخَرَ مُسْتَقِلًّا مَوْضُوعًا لِلْبَعْضِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ كَانَ لَهُ مَعْنًى، فَإِذَا زَادَ شَرْطًا أَوْ صِفَةً أَوِ اسْتِثْنَاءً كَقَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي وَأَكْرَمَنِي أَكْرَمْتُهُ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِي عَالِمًا أَكْرَمْتُهُ، أَوْ مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ
(١) أَيْ فَلَيْسَ مِنَ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ
(٢) مَعْنَى الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ اللَّفْظِيَّ لَا يَكُونُ ظَاهِرًا بِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ لِكَوْنِهِ مُجْمَلًا
(٣) أَيْ لَفْظِيًّا