إِلَّا بَنِي تَمِيمٍ تَغَيَّرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَصَارَ مَعْنَى الشَّرْطِ الدَّاخِلَ الْمُكَرَّمَ، وَمَعْنَى الصِّفَةِ الدَّاخِلَ الْعَالِمَ، وَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الدَّاخِلَ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَكَانَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى مُخْتَلِفًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ، وَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: مُسْلِمٌ فَإِنَّ لَهُ مَعْنًى، فَإِذَا زَادَ فِيهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فَقَالَ الْمُسْلِمُ، أَوْ زَادَ فِيهِ الْوَاوَ وَالنُّونَ فَقَالَ مُسْلِمُونَ، فَإِنَّ اللَّفْظَ بِإِلْحَاقِ الزِّيَادَةِ فِيهِ صَارَ دَالًّا عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ، لَا بِجِهَةِ التَّجَوُّزِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَعَلَى هَذَا نَقُولُ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} إِنَّ مَجْمُوعَ هَذَا الْقَوْلِ دَلَّ عَلَى الْمُسْتَبْقِي بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ: فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْمُسْتَثْنَى فِي كَلَامِ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) فَقَالَ الرَّسُولُ عَقِيبَهُ: إِلَّا زَيْدًا فَهَذَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ كَالْمُتَّصِلِ الَّذِي لَا يَجْعَلُ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ مَجَازًا أَمْ لَا.
فَمَنْ قَالَ بِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا نَظَرَ إِلَى أَنَّ كَلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ فِي تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ بِغَيْرِ الْوَحْيِ، فَكَانَ فِي الْبَيَانِ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الدَّلِيلِ الْمُنْفَصِلِ دُونَ الْمُتَّصِلِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ الْبَارِي تَعَالَى: زَيْدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَامَ لَا يَكُونُ خَبَرًا صَادِرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إِلَّا فِي الشَّرْطِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: أُكْرِمُ بَنِي تَمِيمٍ إِنْ دَخَلُوا دَارِي، فَإِنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِمَّا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ أَعْيَانِ الْأَشْخَاصِ، بَلْ هُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَ حَالًا مِنَ الْأَحْوَالِ، وَهِيَ حَالَةُ عَدَمِ دُخُولِ الدَّارِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا.
سَلَّمْنَا التَّجَوُّزَ مُطْلَقًا، لَكِنْ مَتَى إِذَا كَانَ الْمُسْتَبْقِي مُنْحَصِرٌ، أَوْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِيَ مُسَلَّمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute