للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبَعْضَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُلِّ إِلَّا أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ حَقِيقَةٌ فِي اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ، لَا فِي الْجِنْسِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجِنْسِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ، وَمَعْنَى مُتَحَقِّقٍ فِي الْمُسْتَبْقِي فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ اللَّفْظَ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ حَقِيقَةً قَبْلَ التَّخْصِيصِ، قُلْنَا بِانْفِرَادِهِ أَوْ مَعَ الْمُخَصَّصِ (١) الْخَارِجِ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ مَعَ التَّخْصِيصِ أَنْ يَبْقَى حَقِيقَةً فِيهِ، كَيْفَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ؟ فَإِنَّ اللَّفْظَ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ حَقِيقَةً قَبْلَ التَّخْصِيصِ وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ، فَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَعَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَرْفَعُ جَمِيعَ الْمَجَازَاتِ عَنِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ مَجَازٍ إِلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مَعَ الْقَرِينَةِ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِ، وَبِدُونِ الْقَرِينَةِ حَقِيقَةٌ فِي غَيْرِهِ (٢) .

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُخَصِّصَةِ لَهُ بِالْبَعْضِ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي غَيْرِ الْحَقِيقَةِ، وَصَارِفًا لَهُ عَنِ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ.

وَعَنِ السُّؤَالِ الثَّالِثِ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِالدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ الْمُتَّصِلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَصُورَتِهِ بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ مُقْتَرِنٍ بِشَيْءٍ خَارِجًا عَنْ حَقِيقَتِهِ.

وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ الْجِسْمِ عَنْ حَقِيقَتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جِسْمٌ عِنْدَ اتِّصَافِهِ بِالْبَيَاضِ أَوِ السَّوَادِ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ فَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ مُخْتَلِفًا، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَصِيرَ مَصْرُوفًا عَنْ مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِ، وَهُوَ التَّجَوُّزُ بِعَيْنِهِ.

وَعَلَى هَذَا فَأَلْفَاظُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ الْأَلْفُ لِلْأَلْفِ وَالْخَمْسُونَ لِلْخَمْسِينَ، وَإِلَّا لِلرَّفْعِ، وَمَعْرِفَةِ مَا بَقِيَ حَاصِلَةٌ بِالْحِسَابِ.

وَخَرَجَ عَنْ هَذَا زِيَادَةُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمُسْلِمِ، وَالْوَاوِ وَالنُّونِ فِي


(١) الْمُخَصَّصُ - اسْمُ مَفْعُولٍ
(٢) قَدْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ مَنْ يُنْكِرُ الْمَجَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>