للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرُوهُ أَنْ تَكُونَ الْعُمُومَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مُخْتَصَّةً بِأَسْبَابِهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالتَّنَافِي بَيْنَ الْجَوَابِ وَالِابْتِدَاءِ امْتِنَاعُ ذِكْرِهِ لِحُكْمِ السَّبَبِ مَعَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَإِنْ أَرَادُوا غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْوِيرِهِ.

وَعَنِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْخِطَابِ وَرَدَ بَيَانًا لِحُكْمِ السَّبَبِ فَكَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فِيهِ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ تَخْصِيصُهُ بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ تَنَاوُلَهُ لَهُ ظَنِّيٌّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَلِذَلِكَ جَازَ إِخْرَاجُهُ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ بِالِاجْتِهَادِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ السَّبَبِ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ بِالِاجْتِهَادِ، حَتَّى إِنَّهُ أَخْرَجَ الْأَمَةَ الْمُسْتَفْرَشَةَ عَنْ عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» " (١) وَلَمْ يَلْحَقْ وَلَدُهَا بِمَوْلَاهَا مَعَ وُرُودِهِ فِي وَلِيدِ زَمْعَةَ.

وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ.

فَلَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى وُرُودِ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ.

وَعَنِ الرَّابِعَةِ أَنَّ فَائِدَةَ نَقْلِ السَّبَبِ امْتِنَاعُ إِخْرَاجِهِ عَنِ الْعُمُومِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَمَعْرِفَةُ أَسْبَابِ التَّنْزِيلِ.

وَعَنِ الْخَامِسَةِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ بِالسَّبَبِ فِي الصُّورَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا عَادَةُ أَهْلِ الْعُرْفِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خِطَابِ الشَّارِعِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَعَنِ السَّادِسَةِ إِنْ أَرَادُوا بِمُطَابَقَةِ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ الْكَشْفَ عَنْهُ وَبَيَانَ حُكْمِهِ فَقَدْ وُجِدَ، وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيَانًا لِغَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الْأَصْلُ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: " «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» " تَعَرَّضَ لِحِلِّ الْمَيْتَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَسْئُولًا عَنْهَا.

وَلَوْ كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْسِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ هُوَ الْأَصْلُ لَكَانَ بَيَانُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِلِّ الْمَيْتَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ.


(١) الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>