للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَمْرَ الْمُقَدَّمِ يَكُونُ أَمْرًا لِأَتْبَاعِهِ لُغَةً، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: أُمِرَ الْمُقَدَّمُ وَلَمْ يَأْمُرِ الْأَتْبَاعَ، وَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرِ الْأَتْبَاعَ لَمْ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ.

وَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ لِلْمُقَدَّمِ أَمْرًا لِأَتْبَاعِهِ لَحَنَثَ، نَعَمْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُفْهَمُ عِنْدَ أَمْرِ الْمُقَدَّمِ بِالرُّكُوبِ وَشَنِّ الْغَارَةِ لُزُومُ تَوَقُّفِ مَقْصُودِ الْأَمْرِ عَلَى اتِّبَاعِ أَصْحَابِهِ لَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِلْزَامِ لَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً وَلَا ضِمْنًا، وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَوْ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَوْ إِبَاحَتِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُشَارَكَةِ الْأُمَّةِ لَهُ فِي ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} ، فَخِطَابٌ عَامٌّ مَعَ الْكُلِّ عَلَى وَجْهٍ يَدْخُلُ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَّةِ، وَتَخْصِيصُ النَّبِيِّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ بِالنِّدَاءِ جَرَى مَجْرَى التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ لَهُ (١) .

كَيْفَ وَإِنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِطَابَ النَّبِيِّ لَا يَكُونُ خِطَابًا لِلْأُمَّةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا احْتِيجَ إِلَى قَوْلِهِ: {طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِذَا طَلَّقْتَ النِّسَاءَ فَطَلِّقْهُنَّ كَافٍ فِي خِطَابِ الْأُمَّةِ مَعَ اتِّسَاقِهِ مَعَ أَوَّلِ الْآيَةِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْمَقْصُودِ.

وَقَوْلُهُ: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ مَدْلُولٌ لِقَوْلِهِ زَوَّجْنَاكَهَا، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِمَقْصُودِ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِقِيَاسِهِمْ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ، وَعُمُومُ الْخِطَابِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِذَلِكَ (٢) .


(١) سَبَقَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَّهُمْ خِطَابُهُ بِأَصْلِ وَضْعِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُ يَعُمُّهُمْ عُرْفًا أَوْ لِقَرِينَةٍ أُخْرَى إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا، وَالْقَصْدُ إِثْبَاتُ أَنَّ الْأَصْلَ الْعُمُومُ فِي خِطَابِهِ التَّشْرِيعِيِّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ خِطَابِهِ بِعُنْوَانِ النُّبُوَّةِ أَوِ الرِّسَالَةِ أَوْ بِطَرِيقِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الِاتِّسَاءِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ
(٢) لَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ مَعَ مَا يُشْعِرُ بِهِ وَصْفُ الرِّسَالَةِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَى عُمُومِ الْخِطَابِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي التَّشْرِيعِ، وَمَعَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَعُمُومُ خِطَابِهِ لِأُمَّتِهِ مُتَعَيَّنٌ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ قِيَاسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>