مُحَالٌ، وَلِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلًّا بِالْأَعْمَالِ، أَوْ لَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ أَوِ الْمُسْتَقِلُّ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ، ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلًّا إِلَّا أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا أَنَّ زَيْدًا مَنْصُوبٌ بِقَامَ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِقَامَ، لَكِنْ بِالْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ أَوِ الْمُقَدَّرِ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ.
الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ.
وَالْفِعْلُ الْمُحَقَّقُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى وَاحِدٍ.
وَأَمَّا حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِالِاشْتِرَاكِ فَثَلَاثَةٌ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَنْ إِرَادَةِ عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا يَلِيهِ أَوْ إِلَى الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِ هَذِهِ الْمَحَامِلِ دُونَ غَيْرِهِ لَمَا حَسُنَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ مَدْخُولَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَدْلُولِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ أَصْلًا كَمَا تَقُولُهُ الْوَاقِفِيَّةُ، أَوْ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَعْضِ، مَجَازٌ فِي الْبَعْضِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْحُصُولِ عَلَى الْيَقِينِ وَدَفْعِ الْبَعِيدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِرَادَةُ عَوْدِهِ إِلَى مَا يَلِيهِ، وَإِلَى الْجُمَلِ كُلِّهَا وَإِلَى بَعْضِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ الْبَعْضِ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَعَانِي مُخْتَلِفَةٌ فَكَانَ مُشْتَرِكًا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَتَى يَكُونُ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةَ، إِذَا أَفْضَى إِلَى الِاشْتِرَاكِ الْمُخِلِّ بِمَقْصُودِ أَهْلِ الْوَضْعِ مِنْ وَضْعِهِمْ أَوْ إِذَا لَمْ يُفْضِ إِلَى ذَلِكَ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.
ثُمَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ مُطْلَقًا، غَيْرَ أَنَّهُ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ، وَلِمَ قُلْتُمْ بِإِمْكَانِ التَّمَسُّكِ بِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْوَاقِفِيَّةِ؟
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فَضْلَةٌ لَا تَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهَا، فَكَانَ احْتِمَالُ عَوْدِهِ إِلَى مَا يَلِيهِ وَإِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ مُسَاوِيًا، كَالْحَالِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي قَوْلِهِ: ضَرَبْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا قَائِمًا فِي الدَّارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالِ وَالظَّرْفِ، بَلْ هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْكُلِّ أَوْ مَا يَلِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ آيِلٌ إِلَى الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ.