الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى عَوْدِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِعَوْدِهِ إِلَى مَا يَلِيهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى عَوْدِهِ إِلَى غَيْرِهِ، إِذْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِمَا يَلِيهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ عَوْدُهُ إِلَى مَا يَلِيهِ لِامْتِنَاعِ عَوْدِهِ إِلَى غَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَالْقُرْبُ مُرَجَّحٌ، وَلِهَذَا وَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِمْ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَبُوهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى عَمْرٍو لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ (١) ، فَكَانَ مَا يَلِي الْفِعْلَ مِنَ الِاسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا الْإِعْرَابُ بِالْفَاعِلِيَّةِ أَوْلَى كَقَوْلِهِمْ: ضَرَبَتْ سَلْمَى سُعْدَى.
وَهَذِهِ الْحُجَّةُ أَيْضًا مَدْخُولَةٌ؛ إِذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَإِذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى عَوْدِهِ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ فَلَا تَكُونُ الْحَاجَةُ مُنْدَفِعَةً بِعَوْدِهِ إِلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ.
ثُمَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُنْتَقِضٌ بِالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ بِامْتِنَاعِ عَوْدِهِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ؟ وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَائِدًا إِلَيْهِ إِجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْكَلَامِ أَمْ لَا؟
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: ذَكَرَهَا الْقَلَانِسِيُّ وَهِيَ إِنْ قَالَ: نَصْبُ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ إِنَّمَا كَانَ بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ بِإِعَانَةِ (إِلَّا) عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ أَكَابِرِ الْبَصْرِيِّينَ، فَلَوْ قِيلَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ لَكَانَ مَا بَعْدَ (إِلَّا) مُنْتَصِبًا بِالْأَفْعَالِ الْمُقَدَّرَةِ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ مُضَادَّةِ أَحَدِ الْعَامِلَيْنِ فِي عَمَلِهِ لِلْعَامِلِ الْآخَرِ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ الْوَاحِدُ مَرْفُوعًا مَنْصُوبًا مَعًا، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قُلْتَ: مَا زَيْدٌ بِذَاهِبٍ وَلَا قَامَ عَمْرٌو، وَهُوَ
(١) فَكَانَ فِيهِ تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ كَمَا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute