عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ عَنْ قَرِيبٍ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَثْبَتَ لِعَوْدِهِ (١) إِلَى أَحَدِهِمَا مِثْلَ مَا نَفَاهُ عَنِ الْآخَرِ، وَيَكُونَ جَابِرًا لِلنَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ وَيَبْقَى مَا كَانَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي بِحَالِهِ، وَفِيهِ إِلْغَاءُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، وَخُرُوجُهُ عَنِ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِعَوْدِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى قَدْ نَفَى عَنْهَا مِثْلَ مَا أَثْبَتَهُ لَهَا بِعَوْدِهِ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، فَيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدُ مُقْتَضِيًا لِنَفْيِ شَيْءٍ وَإِثْبَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ حَائِلَةٌ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنَ الْعَوْدِ إِلَيْهَا كَالسُّكُوتِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ كُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَلَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ تَعَقَّبَ جُمْلَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ بِظَاهِرِهِ عَائِدًا إِلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إِلَّا أَرْبَعَةً، فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ، وَإِلَّا لَوَقَعَ بِهِ طَلْقَتَانِ لَا ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ، بَلْ هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْجَمِيعِ، وَالْوَاقِعُ طَلْقَتَانِ عَلَى رَأْيٍ لَنَا.
وَإِنْ سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ؛ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ.
فَلَوْ عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهَا لَكَانَ مُسْتَغْرِقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ دُخُولَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى تَحْتَ لَفْظِهِ مَعْلُومٌ، وَدُخُولَهَا تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْيَقِينَ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ تَيَقُّنَ دُخُولِهِ مَعَ اتِّصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْكَلَامِ، ثُمَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مَانِعٌ مِنِ اخْتِصَاصِهِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِجَوَازِ عَوْدِهِ بِالدَّلِيلِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ الْمُتَأَخِّرَةِ، ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَعُودَ الشَّرْطُ وَالصِّفَةُ عَلَى بَاقِي الْجُمَلِ لِمَا ذَكَرُوهُ، وَهُوَ عَائِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْقَائِلِينَ بِاخْتِصَاصِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ.
(١) لِعَوْدِهِ - لَعَلَّهُ بِعَوْدِهِ