للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا النَّصُّ: فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: " وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْجَلْدِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} ، وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} رَاجِعٌ إِلَى الدِّيَةِ دُونَ الْإِعْتَاقِ بِالِاتِّفَاقِ.

قُلْنَا: أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى، فَلَا نُسَلِّمُ اخْتِصَاصَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهَا، بَلْ هُوَ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ عَدَا الْجَلْدِ لِدَلِيلٍ دَلَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ.

أَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَصَدُّقُ الْوَلِيِّ لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى -.

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ فَحُجَجٌ:

الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْجُمْلَةِ إِذَا تَعَقَّبَهُ اسْتِثْنَاءٌ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي عَائِدًا إِلَى الْجُمْلَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّةِ لَا إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْمُقَارَنَةِ دُونَ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِلَّا كَانَ عَدَمُ عَوْدِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا اثْنَيْنِ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعَةِ دُونَ الْعَشْرَةِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي، إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ لَا بِحَرْفِ عَطْفٍ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً وَإِلَّا اثْنَيْنِ فَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ خَمْسَةً.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا اثْنَيْنِ، فَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَوْدُهُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا؛ لِدَلِيلٍ لَا لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لِذَلِكَ لُغَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ لَوْ عَادَ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا، فَإِمَّا أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا لَا غَيْرُ، أَوْ إِلَيْهَا وَإِلَى الِاسْتِثْنَاءِ: الْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، فَقَطْعُهُ عَنْهُ وَرَدُّهُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا لَا غَيْرُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ عَائِدًا إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إِثْبَاتٌ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ يَكُونُ نَفْيًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ إِثْبَاتًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>