للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ تَأَخُّرَ الْبَيَانِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ هُوَ مُقْتَرِنٌ بِهَا.

وَدَلِيلُهُ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ فِي تَعْلِيلِ الْهَلَاكِ: " {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} " وَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَالِمًا.

كَيْفَ وَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ غَيْرُ سُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} وَمَا مِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ يَجْرِي إِمَّا بِسَبَبِ انْقِطَاعِ نَفَسِهِ أَوْ سُعَالٍ فِيمَا بَيْنُ الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَيَّنِ تَأْخِيرًا.

وَمُبَادَرَةُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى السُّؤَالِ وَمَنْعُهُمْ (١) مِنَ اقْتِرَانِ الْبَيَانِ بِالْمُبَيَّنِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ انْقِطَاعِ النَّفَسِ وَالسُّعَالِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَادِرْ بِالسُّؤَالِ لَبَادَرُوا بِالْبَيَانِ.

الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَذَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ لِيُعَلِّمَهُمُ الزَّكَاةَ وَغَيْرَهَا، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْوَقَصِ، فَقَالَ: " مَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِ فَأَسْأَلَهُ» " (٢) وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيَانَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَوْنُ مُعَاذٍ لَمْ يَسْمَعِ الْبَيَانَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُقَارَنَةِ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ.

كَيْفَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَوْقَاصِ وَغَيْرِهَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِيمَا أَوْجَبَ، وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ صَالِحٌ لِلْبَيَانِ وَالتَّخْصِيصِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْقُولِ، وَأَمَّا الْحُجَجُ الْعَقْلِيَّةُ:

فَأَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ مُمْتَنِعًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُعْرَفَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوْ نَظَرِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ، فَلَا امْتِنَاعَ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ كَانَ جَائِزًا، فَإِمَّا أَنْ يُعْرَفَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوْ نَظَرِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ فَلَا جَوَازَ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَكُلُّ مَا هُوَ جَوَابٌ لَهُ هَاهُنَا فَهُوَ جَوَابُهُ فِيمَا ذُكِرَ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ لَامْتَنَعَ تَأْخِيرُهُ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ وَامْتَنَعَ عَطْفُ الْجُمَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ إِذَا كَانَ بَيَانُ الْأُولَى مُتَأَخِّرًا عَنِ الْجَمَلِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا، وَلَمَا جَازَ الْبَيَانُ بِالْكَلَامِ الطَّوِيلِ، وَاللَّازِمُ مُمْتَنِعٌ.


(١) وَمَنْعُهُمْ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى: وَمَنْعُ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُمْ.
(٢) حَدِيثُ مُعَاذٍ رُوِيَ مَنْ طُرُقٍ لَمْ تَخْلُ مِنْ مَقَالٍ فَارْجِعْ إِلَى تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ لِتَعْرِفَ طُرُقَ الْحَدِيثِ وَمَا فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنَ الْمَقَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>