وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي الزَّمَانِ الْقَصِيرِ إِذَا كَانَ مَعَ قِصَرِهِ لَا يُعَدُّ الْمُتَكَلِّمُ مُعْرِضًا عَنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ مَعَ الْأَوَّلِ مَعْدُودٌ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ تَطَاوُلًا يُعَدُّ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُعْرِضًا عَنْ كَلَامِهِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لُغَةً وَعُرْفًا أَنْ يَتَكَلَّمَ الْإِنْسَانُ بِكَلَامٍ يَقْصُرُ فَهْمُ السَّامِعِ عَنْهُ، وَيُبَيِّنُهُ بَعْدَ الزَّمَانِ الْقَصِيرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْجَانٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا بَيَّنَهُ بَعْدَ الزَّمَانِ الْمُتَطَاوِلِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّأْخِيرِ ثَمَّ التَّأْخِيرُ هَاهُنَا.
وَأَمَّا الْجُمَلُ الْمَعْطُوفَةُ فَنَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَالْبَيَانُ الْمُتَعَقِّبُ لِلْجُمَلِ الْمَعْطُوفَةِ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ تَعَقُّبِهِ لِلْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَأَمَّا الْبَيَانُ بِالْكَلَامِ الطَّوِيلِ فَإِنَّمَا يُجَوِّزُهُ الْخَصْمُ إِذَا لَمْ يَكُنْ (١) حُصُولُ الْبَيَانِ إِلَّا بِهِ، أَوْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَتَمَّ مِنَ الْكَلَامِ الْقَصِيرِ وَإِلَّا فَلَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَوْ قَبُحَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ، لَكَانَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ الْمُكَلَّفِ، وَذَلِكَ مُقْتَضَى قُبْحِ الْخِطَابِ إِذَا بُيِّنَ لَهُ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا امْتَنَعَ بِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ.
وَلِهَذَا يَسْقُطُ تَكْلِيفُ الْإِنْسَانِ إِذَا مَاتَ، سَوَاءٌ قَتَلَ هُوَ نَفْسَهُ، أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَاللَّازِمُ مُمْتَنِعٌ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نُسَلِّمُ أَنَّ قُبْحَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَقْدِ التَّبْيِنِ الْمَنْسُوبِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ قُبْحُهُ عِنْدَ عَدَمِ تَبَيُّنِ الْمُكَلَّفِ إِذَا بُيِّنَ لَهُ؛ لِكَوْنِهِ مَنْسُوبًا إِلَى تَقْصِيرِ الْمُكَلَّفِ، لَا إِلَى الْمُخَاطَبِ، وَسُقُوطُ التَّكْلِيفِ عَنِ الْمَيِّتِ إِنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ الْمَشْرُوطِ فِي التَّكْلِيفِ، وَذَلِكَ لَا يَفْتَرِقُ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.
وَالْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ: أَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} إِلَى قَوْلِهِ {وَلِذِي الْقُرْبَى} ثُمَّ بُيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِذَوِي الْقُرْبَى بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي نَوْفَلٍ بِمَنْعِهِ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّا وَبَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي
(١) لَمْ يَكُنْ - لَعَلَّهُ لَمْ يُمْكِنْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute