للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَمْ نَزَلْ هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» . (١) فَإِنْ قِيلَ: الْمُتَأَخِّرُ إِنَّمَا هُوَ الْبَيَانُ الْمُفَصَّلُ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْمُجْمَلِ (٢) ، وَلَا دَلَالَةَ لِمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ.

قُلْنَا: إِذَا سَلَّمَ عَدَمَ اقْتِرَانِ الْبَيَانِ التَّفْصِيلِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ، وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ، حَيْثُ إِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الْعُمُومِ لِكُلِّ ذَوِي الْقُرْبَى وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَأَرْبَابِ الْأَخْبَارِ مَا يُشِيرُ إِلَى الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ أَيْضًا، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ كَانَ لَمَا أُهْمِلَ نَقْلُهُ غَالِبًا.

وَأَيْضًا، مَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اقْرَأْ، قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ كَرَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " ثُمَّ قَالَ لَهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} » (٣) أَخَّرَ بَيَانَ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَوَّلًا مِنْ إِجْمَالِهِ إِلَى مَا بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ مِنْ أَمْرِ جِبْرِيلَ، وَسُؤَالِ النَّبِيِّ، مَعَ إِمْكَانِ بَيَانِهِ أَوَّلًا.

وَذَلِكَ دَلِيلُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ.

فَإِنْ قِيلَ: أَمْرُهُ لَهُ بِالْقِرَاءَةِ مُطْلَقٌ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبَ عَلَى الْفَوْرِ، أَوِ التَّرَاخِي، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَقَدْ أَخَّرَ الْبَيَانَ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَلَا شَكَّ فِي إِفَادَتِهِ جَوَازَ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْأَمْرِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْهُ تَأْخِيرٌ لَهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِالْإِجْمَاعِ.

فَتَرْكُ الظَّاهِرِ لَازِمٌ لَنَا وَلَكُمْ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.

قُلْنَا: أَمَّا إِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبَ عَلَى الْفَوْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِذَا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي، فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

قَوْلُكُمْ إِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِعْلِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْأَمْرِ.


(١) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مُطَوَّلًا بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَاقْتَصَرَ الْآمِدِيُّ مِنْهُ عَلَى مَوْضِعِ الشَّاهِدِ وَتَصَرَّفَ فِي الْعِبَارَةِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
(٢) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ١ ص ٣٣ ج٣.
(٣) الْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ بَدْءِ الْوَحْيِ عَنْ عَائِشَةَ مُطَوَّلًا فَاقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْهُ عَلَى مَوْضِعِ الشَّاهِدِ فِي الْعِبَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>