وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الْخَاصَّةُ بِمَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الظَّوَاهِرِ فِي غَيْرِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَثَلَاثُ شُبَهٍ، الْأُولَى: إِنَّهُ إِنْ جَازَ الْخِطَابُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَهُ فِي الْحَالِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: بِجَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِهِ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَهُوَ تَحَكُّمٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الْمُكَلَّفِ عَامِلًا أَبَدًا بِعُمُومٍ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَهُوَ فِي غَايَةِ التَّجْهِيلِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِذَا خَاطَبَ الشَّارِعُ بِمَا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ ظَاهِرِهِ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُخَاطِبًا لَنَا فِي الْحَالِ أَوْ يَكُونَ مُخَاطِبًا لَنَا بِهِ حَالًا: الْأَوَّلُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِتَفْهِيمِنَا بِخِطَابِهِ حَالًا، وَإِلَّا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُخَاطِبًا لَنَا حَالًا، وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ. وَبَيَانُ لُزُومِ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ " خَاطَبَ فُلَانٌ فُلَانًا " أَنَّهُ قَصَدَ تَفْهِيمَ كَلَامِهِ لَهُ.
وَإِذَا كَانَ قَاصِدًا لِلتَّفْهِيمِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قَصَدَ تَفْهِيمَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فَقَدْ قَصَدَ تَجْهِيلَنَا، وَهُوَ قَبِيحٌ، وَإِنْ قَصَدَ تَفْهِيمَ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ فَقَدْ قَصَدَ مَا لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَيْهِ دُونَ الْبَيَانِ، وَهُوَ أَيْضًا قَبِيحٌ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُخَاطِبَنَا بِالْعُمُومِ وَيُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَهُ فِي الْحَالِ لَتَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ كَلَامِهِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا مِنْ لَفْظٍ يُبَيِّنُ بِهِ الْمُرَادَ إِلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ (مَا هُوَ) الظَّاهِرُ مِنْهُ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، وَذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْخِطَابِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الْأَوْلَى بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُجْمَلَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ الْمُرَادُ بِعَيْنِهِ، فَقَدْ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَحَدِ مَدْلُولَاتِهِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَفْهُومَةِ لَهُ، وَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ اعْتِقَادُهُ لِلْوُجُوبِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ بِتَقْدِيرِ الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ، فَكَانَ مُفِيدًا بِخِلَافِ الْخِطَابِ، بِمَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، كَمَا فَرَضُوهُ.
وَبِهَذَا يَكُونُ جَوَابُ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ.
وَعَنِ الشُّبْهَةِ الثَّالِثَةِ: أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ فِيهِ إِلَى الْبَيَانِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلرَّسُولِ بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (لَهُ) .
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَأَيُّ وَقْتٍ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْعَمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute