فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَمْ يَقُلْ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ وَعَدَمِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَهُوَ أَوْلَى جَمْعًا بَيْنَ الْمَذَاهِبِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: مَا رَوَى قَتَادَةُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «قَدْ خَيَّرَنِي رَبِّي فَوَاللَّهِ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» " فَعُقِلَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ حُجَّةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ زِيَادَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّبْعِينَ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَهْمِهِ وُقُوعَ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ بِاسْتِغْفَارِهِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِينَ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ اسْتِمَالَةَ قُلُوبِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الدِّينِ، لَا لِوُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ احْتِمَالُ الِاسْتِمَالَةِ أَوْلَى مِنْ فَهْمِهِ وُقُوعَ الْمَغْفِرَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِينَ فِي الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْآيَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَخْصِيصَ نَفْيِ الْمَغْفِرَةِ بِالسَّبْعِينَ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَغْفِرَةِ بِالسَّبْعِينَ قَطْعًا ضَرُورَةَ صِدْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَبَرِهِ.
وَمَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَهُوَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَوْ دَلَّ اخْتِصَاصُ السَّبْعِينَ بِنَفْيِ الْمَغْفِرَةِ قَطْعًا عَلَى نَقِيضِهِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ لَكَانَ دَالًّا عَلَى وُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ بَعْدَ السَّبْعِينَ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا:
الْأَوَّلُ: خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَخِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى امْتِنَاعِ الْمَغْفِرَةِ بَعْدَ السَّبْعِينَ.
وَالثَّانِي: فَلَيْسَ نَقِيضًا لِنَفْيِ الْمَغْفِرَةِ قَطْعًا، بَلْ هُوَ مُقَابِلٌ، وَالْمُقَابِلُ أَعَمُّ مِنَ النَّقِيضِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَفِيهِ دِقَّةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute