للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: مَصِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِلَى مَنْعِ تَوْرِيثِ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} حَيْثُ إِنَّهُ فَهِمَ مِنْ تَوْرِيثِ الْأُخْتِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ امْتِنَاعُ تَوْرِيثِهَا مَعَ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا وَلَدٌ، وَهُوَ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ، وَتَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ.

وَجَوَابُ هَذِهِ الْحُجَّةِ مَا سَبَقَ فِي دَفْعِ الْحُجَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا، كَيْفَ وَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَرَّثَ الْأُخْتَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ بِالْآيَةِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْبِنْتِ لَمْ يُوَرِّثْهَا بِنَاءً عَلَى اسْتِصْحَابِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، لَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ (١) نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» " (٢) وَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُ: " «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» " يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ لَمَا كَانَ نَسْخًا لَهُ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي اللُّغَاتِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُلَّةَ الصَّحَابَةِ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا اتِّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا حَكَمُوا بِكَوْنِهِ نَاسِخًا لَا لِمَدْلُولِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» " كُلُّ غُسْلٍ مِنْ إِنْزَالِ الْمَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا مَاءَ إِلَّا مِنَ الْمَاءِ» " فَكَانَ قَوْلُهُ: " «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» " نَاسِخًا لِمَدْلُولِ عُمُومِ الْأَوَّلِ، لَا لِمَدْلُولِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، بَلْ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَمُخْتَلِفًا فِيمَا ذَكَرُوهُ.


(١) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَخْطَأَ فِيهِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ (إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) وَصَحَّحَهُ.
(٢) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>