للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ سِوَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ الَّذِي لَمْ يَقُلْ بِهِ مُحَصِّلٌ عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ، فَكُلُّ مَا هُوَ جَوَابٌ لَكُمْ ثَمَّ فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا هَاهُنَا.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَقُّوا بَيْنَ الْخِطَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ، كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْخِطَابِ الْمُرْسَلِ وَبَيْنَ الْمُقَيَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَكَذَلِكَ الصِّفَةُ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ حُكْمِ الْخِطَابِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْخِطَابِ الْمُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْمُطْلَقِ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ بِثُبُوتِ حُكْمِهِ مُطْلَقًا، وَحُكْمَ الْخِطَابِ الْمُقَيَّدَ بِالصِّفَةِ ثُبُوتُهُ فِي مَحَلِّ التَّنْصِيصِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا، وَفِي غَيْرِ مَحَلِّ الصِّفَةِ مَشْكُوكٌ فِي إِثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ فَقَدِ افْتَرَقَا كَمَا وَقَعَ الِافْتِرَاقُ بَيْنَ الْخِطَابِ الْمُطْلَقِ وَالْخِطَابِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيَهُ مُطْلَقًا، وَالْخِطَابُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ جَزْمًا.

وَعَلَى هَذَا، فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْعَرَبَ سَوَّتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا وَقَعَ الِافْتِرَاقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ بِذِكْرِ الصِّفَةِ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّنْصِيصِ، وَعَلَى نَفْيِهِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ، كَانَتِ الْفَائِدَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا إِذَا لَمْ يَدُلَّ، فَوَجَبَ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْفَوَائِدِ، غَيْرَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلِيلِهِ، فَرْعُ دَلَالَةِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.

فَلَوْ قِيلَ بِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ كَانَ دَوْرًا.

كَيْفَ وَإِنَّهُ لَيْسَ الْقَوْلُ بِكَوْنِ التَّخْصِيصِ دَالًّا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَإِبْطَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَوَائِدِ الَّتِي سَبَقَتْ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>