الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْعِلَّةِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، فَكَذَلِكَ الصِّفَةُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، حَتَّى يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الصِّفَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ بِاتِّحَادِ الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُ الْحُكْمِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الصِّفَةِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ أَصْنَافِ النَّوْعِ وَأَشْخَاصِهِ تَعَدُّدُ صِفَاتِهِ وَإِلَّا لَمَا تَعَدَّدَ، بَلْ كَانَ مُتَّحِدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» " فَلَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ الطَّهَارَةِ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ، وَإِلَّا لَمَا طَهُرَ بِالسَّبْعِ، لِأَنَّ السَّابِعَةَ تَكُونُ وَارِدَةً عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ، فَلَا يَكُونُ طَهُورُهُ بِالسَّبْعِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِبْطَالُ دَلَالَةِ الْمَنْطُوقِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: " «يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ» " لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ لَمَا كَانَتِ الْخَمْسُ لِمَا عُرِفَ فِي الْغَسَلَاتِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ، وَمِنْ كَوْنِ الرَّضَعَاتِ الْخَمْسِ غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى نَفْيِ الْحُرْمَةِ فِيمَا دُونَهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ قَبْلَ السَّابِعَةِ طَاهِرًا وَلَا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ الْخَمْسِ مِنَ الرَّضَعَاتِ مُحَرِّمًا لِجَوَازِ ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ السَّبْعِ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ دَلِيلِ الْخِطَابِ.
وَكَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ الرَّضَعَاتِ الْخَمْسِ غَيْرَ مُحَرِّمَةٍ بِدَلِيلٍ غَيْرِ دَلِيلِ الْخِطَابِ.
وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَتُتْبِعُ مَا فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حُجَجٍ عَوَّلَ عَلَيْهَا الْقَائِلُونَ بِإِبْطَالِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ لَوْ دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ نَفْيِهَا، إِمَّا أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ أَوِ النَّقْلِ، وَالْعَقْلُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي اللُّغَاتِ، وَالنَّقْلُ إِمَّا مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّوَاتُرِ، وَالْآحَادُ لَا تُفِيدُ غَيْرَ الظَّنِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَاتِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى لُغَةٍ يَنْزِلُ عَلَيْهَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ الْآحَادِ مَعَ جَوَازِ الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ عَلَيْهِ يَكُونُ مُمْتَنِعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute