للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُتَضَادَّيْنِ مَعًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ مَعًا، كَانَتْ أَضْدَادًا أَوْ لَمْ تَكُنْ.

سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ.

وَأَمَّا مِنْ جِهَتَيْنِ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَهَاهُنَا الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ صَرِيحُ الْخِطَابِ، وَالدَّالُّ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنِ الْمَعْلُوفَةِ دَلِيلُ الْخِطَابِ، وَهُمَا غَيْرَانِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُنْتَقِضٌ بِالتَّخْصِيصِ بِالْغَايَةِ.

الْحُجَّةُ الْعَاشِرَةُ: أَنَّ صُورَةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ مُخَالِفَةٌ لِصُورَةِ الْغَنَمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الصُّورَتَيْنِ، لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي أَحَدِهِمَا ثُبُوتُهُ فِي الْأُخْرَى وَلَا عَدَمُهُ، لِجَوَازِ اشْتِرَاكِ الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي أَحْكَامٍ وَافْتِرَاقِهَا فِي أَحْكَامٍ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَازِمًا، لَمْ يَلْزَمْ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ حُكْمٍ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، لَا وُجُودًا وَلَا عَدَمًا.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَتَى لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ نَفْيُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ قَدْ عُلِّقَ ثُبُوتُهُ بِالِاسْمِ الْعَامِّ الْمَوْصُوفِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، أَوْ إِذَا لَمْ يَكُنْ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَدَعْوَاهُ دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.

وَعَلَى هَذَا، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ حُكْمِ إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنِ الصُّورَةِ الْأُخْرَى مُطْلَقًا لَا يَكُونُ صَحِيحًا، ثُمَّ إِنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِفَحْوَى الْخِطَابِ، فَإِنَّ صُورَةَ الْمَنْطُوقِ بِالْحُكْمِ فِيهَا مُخَالِفَةٌ لِلصُّورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ النُّطْقِ لَازِمٌ ثُبُوتُهُ فِي صُورَةِ السُّكُوتِ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ فِي إِحْدَاهُمَا إِخْبَارٌ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى.

وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى مَا أَرَدْنَاهُ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى إِبْطَالِ الْحُجَجِ الْوَاهِيَةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ مَسْلَكَانِ: الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الصِّفَةِ مُوجِبًا لِنَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا لَمَا كَانَ عِنْدَ عَدَمِهَا لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ.

وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، لَكِنَّهُ ثَابِتٌ مَعَ عَدَمِهَا.

وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ وَقَعَ مُعَلَّقًا بِخَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا فِي حَالَةِ عَدَمِ خَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>