للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ النَّسْخِ عَلَى الْكِتَابِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ تَجَوُّزًا، فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَبَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا ضَرُورَةً أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يُنْقَلْ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَمْتَنِعَ أَنْ يَكُونَ التَّجَوُّزُ بِهِ مُسْتَعَارًا مِنَ الْإِزَالَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُزَالٍ، وَلَا يُشْبِهُ الْإِزَالَةَ فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِعَارَتِهِ مِنْ مَعْنًى آخَرَ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى امْتِنَاعِ إِطْلَاقِ اسْمِ النَّسْخِ حَقِيقَةً فِي الْإِزَالَةِ وَالنَّقْلِ فَإِذَا تَعَذَّرَتِ اسْتِعَارَتُهُ مِنَ الْإِزَالَةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا مِنَ النَّقْلِ.

وَوَجْهُ اسْتَعَارَتِهِ مِنْهُ أَنَّ تَحْصِيلَ مِثْلِ مَا فِي أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ فِي الْآخَرِ تَجْرِي مَجْرَى نَقْلِهِ وَتَحْوِيلِهِ إِلَيْهِ فَكَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّجَوُّزِ.

وَإِذَا كَانَ مُسْتَعَارًا مِنَ النَّقْلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ النَّسْخِ حَقِيقَةً فِي النَّقْلِ إِذِ الْمَجَازُ لَا يُتَجَوَّزُ بِهِ فِي غَيْرِهِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ.

ثُمَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا فِي نَسْخِ الْكِتَابِ فَمَا الِاعْتِذَارُ عَنْ إِطْلَاقِ اسْمِ التَّنَاسُخِ فِي الْمَوَارِيثِ مَعَ كَوْنِهَا مُنْتَقِلَةً حَقِيقَةً، وَإِطْلَاقُ اسْمِ النَّسْخِ عَلَى تَحْوِيلِ النَّحْلِ وَالْعَسَلِ مِنْ خَلِيَّةٍ إِلَى أُخْرَى، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَقْرِيرِ التَّجَوُّزِ فِي نَسْخِ الْكِتَابِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ هَاهُنَا.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَمُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: اسْمُ النَّسْخِ قَدْ أُطْلِقَ بِمَعْنَى النَّقْلِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْإِزَالَةِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.

فَإِنْ قِيلَ: التَّرْجِيحُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْإِزَالَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ مُطْلَقُ إِعْدَامٍ، وَالنَّقْلُ أَخَصُّ مِنَ الْإِزَالَةِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إِعْدَامَ الصِّفَةِ وَحُدُوثَ أُخْرَى، وَالْإِعْدَامُ الْمُسْتَلْزِمُ حُدُوثَ شَيْءٍ آخَرَ أَخَصُّ مِنَ الْإِعْدَامِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتِ الْإِزَالَةُ أَعَمَّ فَجَعْلُ النَّسْخِ حَقِيقَةً فِيهَا أَوْلَى نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِزَالَةَ أَعَمُّ مِنَ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُ إِعْدَامَ صِفَةٍ وَتَجَدُّدَ أُخْرَى فَكُلُّ إِزَالَةٍ هَكَذَا لِأَنَّ الْإِزَالَةَ عَلَى مَا قِيلَ هِيَ الْإِعْدَامُ، وَالْإِعْدَامُ يَسْتَلْزِمُ زَوَالَ الصِّفَةِ، وَهِيَ الْوُجُودُ وَتَجَدُّدَ أُخْرَى، وَهِيَ صِفَةُ الْعَدَمِ، وَهُمَا صِفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ مَهْمَا انْتَفَتْ إِحْدَاهُمَا تَحَقَّقَتِ الْأُخْرَى، وَإِذَا تَسَاوَيَا عُمُومًا وَخُصُوصًا

<<  <  ج: ص:  >  >>