للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ جَعْلُ اسْمِ النَّسْخِ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.

وَإِذَا تَعَذَّرَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَعَ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ فِيهِمَا كَانَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ أَشْبَهَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي حَقِيقَةِ النَّقْلِ خُصُوصُ تَبَدُّلِ الصِّفَةِ الْوُجُودِيَّةِ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ فَيَكُونَ النَّقْلُ أَخَصَّ.

وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَالنِّزَاعُ فِي هَذَا لَفْظِيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ.

وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: هُوَ إِزَالَةُ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِقَوْلٍ مَنْقُولٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَنْ رَسُولِهِ مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا، وَهُوَ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ إِزَالَةَ الْمِثْلِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمِثْلِ أَوْ بَعْدَ عَدَمِهِ، أَوْ فِي حَالَةِ وُجُودِهِ:

الْأَوَّلُ: مُحَالٌ، فَإِنَّ مَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُقَالُ إِنَّهُ أُزِيلَ، وَالثَّانِي أَيْضًا مُحَالٌ، فَإِنَّ إِزَالَةَ مَا عُدِمَ بَعْدَ وَجُودِهِ مُمْتَنِعٌ، وَالثَّالِثُ: أَيْضًا مُحَالٌ، لِأَنَّ الْإِزَالَةَ هِيَ الْإِعْدَامُ، وَإِعْدَامُ الشَّيْءِ حَالَ وُجُودِهِ مُحَالٌ. (١) الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ إِذْ يَدْخُلُ فِيهِ إِزَالَةُ مِثْلِ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِخِطَابِ الشَّارِعِ الْمُتَرَاخِي عَلَى وَجْهٍ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ الْمُغَيِّرِ لَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُسْتَمِرًّا وَلَيْسَ بِنَسْخٍ فِي مُصْطَلَحِ الْمُتَشَرِّعِينَ إِجْمَاعًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ إِزَالَةُ الْحُكْمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ، وَيَبْطُلُ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَبِمَا لَوْ زَالَ الْحُكْمُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ بِمَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَوْتٍ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا قِيلَ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ إِجْمَاعًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ نَقْلُ الْحُكْمِ إِلَى خِلَافِهِ، وَيَبْطُلُ بِمَا بَطَلَ بِهِ الْحَدُّ الَّذِي قَبْلَهُ، وَبِمَا لَوْ نُقِلَ الْحُكْمُ إِلَى خِلَافِهِ بِالْغَايَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيمَا قَبْلَ الْغَايَةِ قَدْ قُلِبَ إِلَى خِلَافِهِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ، وَلَيْسَ بِنَسْخٍ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي حَدِّهِ إِنَّهُ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ.


(١) سَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا التَّرْدِيدِ فِي أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ لِلنَّسْخِ عَقْلًا وَجَوَابُ الْآمِدِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ تَعْرِفُ لَوْنًا مِنْ جَدَلِ الْآمِدِيِّ فِي نِقَاشِهِ وَدِفَاعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>