للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ لِنَفْسِهِ، وَيُخْبِرُ بِأَشْيَاءَ فَإِذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ فِيهَا، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي بِذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ بَدَا لَهُ فِيهِ، وَأَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْبَيْتِ مُبَالَغَةً فِي تَرْوِيجِ أَكَاذِيبِهِ.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا إِنَّمَا هُوَ مَحْوُ الْمَنْسُوخِ وَإِثْبَاتُ النَّاسِخِ وَمَحْوُ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وَمَحْوُ الْحَسَنَاتِ بِالرِّدَّةِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أَوْ مَحْوُ الْمُبَاحَاتِ، وَإِثْبَاتُ الطَّاعَاتِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، أَوْ مَحْوُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْآجَالِ أَوِ الْأَرْزَاقِ وَإِثْبَاتُ غَيْرِهَا.

وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَهْلِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (١) وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ النَّسْخِ وَالْبَدَاءِ فَنَقُولُ: إِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْبَدَاءِ وَأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ بَعْدَ الْجَهْلِ وَالظُّهُورِ بَعْدَ الْخَفَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِنَا الْكَلَامِيَّةِ فَالنَّسْخُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ اسْتِلْزَامَ الْأَمْرِ بِفِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ لِلْمَصْلَحَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَاسْتِلْزَامَ نَسْخِهِ لِلْمَصْلَحَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَإِذَا نَسَخَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَ نَسْخَهُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَفِيًّا عَنْهُ، وَلَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَ بِمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ، وَلَا نَهَى عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَذَلِكَ كَإِبَاحَتِهِ الْأَكْلَ فِي اللَّيْلِ مِنْ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِهِ فِي نَهَارِهِ.


(١) بَيَّنَ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مِنْهُ مِنْ مَحْوٍ وَإِثْبَاتٍ وَتَبْدِيلٍ وَتَغْيِيرٍ وَاقِعٌ بِمَشِيئَتِهِ فِعْلًا كَوْنِيًّا أَوْ تَشْرِيعًا، وَمَسْطُورٌ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، جَرَى بِهِ الْقَلَمُ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ نَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ وَسَعَادَةٍ وَشَقَاوَةٍ وَسَائِرِ مَا يَكُونُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ كُلٌّ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ الَّذِي حُدِّدَ لَهُ فِي عِلْمِهِ (تَعَالَى) وَكِتَابِهِ، وَرَهِينٌ بِأَسْبَابِهِ حَسَبَ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ عُمُومًا أَنْ يَكُونَ بَدَا لِلَّهِ أَمْرٌ كَانَ خَفِيًّا عَلَيْهِ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَشْرِيعٍ تَفْسِيرٌ عَمَلِيٌّ وَتَطْبِيقٌ وَاقِعِيٌّ دَقِيقٌ مُوَافِقٌ لِسَابِقِ عِلْمِهِ وَمَا جَرَى بِهِ قَلَمُهُ فِي كِتَابِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>