وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَ بِهِ مُرَادًا، جَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا حَالَةَ الْأَمْرِ دُونَ حَالَةِ النَّهْيِ.
قَوْلُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْ نَسْخِ الْآيَةِ إِزَالَتُهَا عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وَالْقُرْآنُ خَيْرٌ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ نَسْخِ الْآيَةِ إِزَالَتَهَا عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَكِتَابَةَ أُخْرَى بَدَلَهَا، لَمَا تَحَقَّقَ هَذَا الْوَصْفُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْخَيْرِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ الْآيَاتِ الْمَرْفُوعَةِ عَنَّا وَالْمَوْضُوعَةِ عَلَيْنَا، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْبَعْضَ قَدْ يَكُونُ أَخَفَّ مِنَ الْبَعْضِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ، أَوْ أَنَّ ثَوَابَ الْبَعْضِ أَجْزَلُ مِنْ ثَوَابِ الْبَعْضِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ، فَوَجَبَ حَمْلُ النَّسْخِ عَلَى نَسْخِ أَحْكَامِ الْآيَاتِ لَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ. (١) وَأَمَّا مَنْعُ كَوْنِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخَةً لِشَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَ فَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ قَاطِبَةً.
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ مُنْكِرِ النَّسْخِ مِنَ الْإِسْلَامِيِّينَ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَلَى بَاقِي صُوَرِ النَّسْخِ فَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ إِجْمَاعِ السَّلَفِ.
كَيْفَ وَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّخْرِيجِ لَا وَجْهَ لَهُ.
قَوْلُهُمْ: إِنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَزُلْ بِالْكُلِّيَّةِ.
قُلْنَا: لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ التَّوَجُّهُ إِلَيْهِ حَالَةَ عَدَمِ الْإِشْكَالِ وَالْعُذْرِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ نَسْخًا.
قَوْلُهُمْ: إِنَّ وُجُوبَ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا زَالَ لِزَوَالِ سَبَبِهِ.
قُلْنَا: الْأَصْلُ بَقَاءُ السَّبَبِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ السَّبَبِ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا، وَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ سِوَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا نَقَلَهُ الرُّوَاةُ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.
(١) انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي كِتَابِ جَوَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فِي أَنَّ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute