قِيَاسًا شَرْعِيًّا ; إِذِ الْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِّ الْقِيَاسِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَشَرِّعِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْقِيَاسُ هُوَ الدَّلِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى الْحَقِّ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ الْعِلْمُ الْوَاقِعُ بِالْمَعْلُومِ عَنْ نَظَرٍ، وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالنَّظَرِ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
كَيْفَ وَإِنَّ الْعِلْمَ غَيْرُ حَاصِلٍ مِنَ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ غَيْرَ الظَّنِّ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا مِنْهُ فَهُوَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ هُوَ الْقِيَاسَ.
وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِجْرَاءِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ الْقِيَاسُ الَّذِي فَرْعُهُ مَعْدُومٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
الثَّانِي: أَنَّ حَمْلَ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِجْرَاءَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ فَلَا يَكُونُ قِيَاسًا، وَإِنْ كَانَ بِجَامِعٍ فَيَكُونُ قِيَاسًا وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَامِعِ، فَكَانَ لَفْظُهُ عَامًّا لِلْقِيَاسِ وَلِمَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنَّهُ حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ بِضَرْبٍ مِنَ الشَّبَهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِمَا أَبْطَلْنَا بِهِ حَدَّ أَبِي هَاشِمٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: الْقِيَاسُ تَحْصِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِاشْتِبَاهِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ إِشْكَالًا وَأَجَابَ عَنْهُ، أَمَّا الْإِشْكَالُ فَهُوَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ قِيَاسَ الْعَكْسِ قِيَاسًا، وَلَيْسَ هُوَ تَحْصِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِاشْتِبَاهِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ، بَلْ هُوَ تَحْصِيلُ نَقِيضِ حُكْمِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِهِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ تَسْمِيَةَ قِيَاسِ الْعَكْسِ قِيَاسًا إِنَّمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِفَوَاتِ خَاصِّيَّةِ الْقِيَاسِ فِيهِ، وَهُوَ إِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَابَهَةِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهِ أَيْضًا: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّ اسْمَ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ قِيَاسِ الطَّرْدِ وَقِيَاسِ الْعَكْسِ، فَتَحْدِيدُ أَحَدِهِمَا