للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخَاصِّيَّتِهِ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُسَمَّى الْآخَرِ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي خَاصِّيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُسَمًّى بِاسْمِهِ.

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ حُدَّتِ الْعَيْنُ بِحَدٍّ يَخُصُّهَا لَا يَنْتَقِضُ بِالْعَيْنِ الْجَارِيَةِ الْمُخَالِفَةِ لَهَا فِي حَدِّهَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الِاسْمِ، وَالْمَحْدُودُ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الطَّرْدِ الْمُخَالِفِ فِي حَقِيقَتِهِ لِقِيَاسِ الْعَكْسِ، غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْحَدِّ مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: تَحْصِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ مُشْعِرٌ بِتَحْصِيلِ عَيْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ.

الثَّانِي: أَنَّ تَحْصِيلَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْفَرْعِ وَنَتِيجَةُ الْقِيَاسِ، وَنَتِيجَةُ الشَّيْءِ لَا تَكُونُ هِيَ نَفْسَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: الْقِيَاسُ هُوَ اشْتِبَاهُ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَلْزِمُ تَحْصِيلَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: (١) الْقِيَاسُ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِمَا عَنْهُمَا، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى خَمْسَةِ قُيُودٍ:

الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ: فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى جَامِعٍ بَيْنَهُمَا.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ لَهُمَا.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا.

أَمَّا الْقَيْدُ الْأَوَّلُ فَيَسْتَدْعِي بَيَانَ مَعْنَى الْحَمْلِ، وَبَيَانَ فَائِدَةِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمَعْلُومِ وَفَائِدَةِ حَمْلِ الْمَعْلُومِ عَلَى الْمَعْلُومِ.

أَمَّا الْحَمْلُ فَمَعْنَاهُ مُشَارَكَةُ أَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ لِلْآخَرِ فِي حُكْمِهِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْمَعْلُومِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ صُورَةُ الْمَحْمُولِ وَالْمَحْمُولِ عَلَيْهِ عَدَمِيَّةً، وَرُبَّمَا كَانَتْ وُجُودِيَّةً، فَلَفْظُ الْمَعْلُومِ يَكُونُ شَامِلًا لَهُمَا، فَإِنَّهُ لَوْ أُطْلِقَ لَفْظُ الْمَوْجُودِ لَخَرَجَ مِنْهُ الْمَعْدُومُ، وَلَوْ أُطْلِقَ لَفْظُ الشَّيْءِ لَاخْتَصَّ أَيْضًا بِالْمَوْجُودِ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ الْحَقِّ.


(١) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْبَاقِلَّانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>