وَلَوْ قَالَ: حَمْلُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ، رُبَّمَا أَوْهَمَ اخْتِصَاصَهُ بِالْمَوْجُودِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَصْفَ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِهِ فَرْعًا وَالْآخِرَ بِكَوْنِهِ أَصْلًا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ، وَالصِّفَاتُ الْوُجُودِيَّةُ لَا تَكُونُ صِفَةً لِلْمَعْدُومِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَعْلُومِ أَجْمَعَ وَأَمْنَعَ وَأَبْعَدَ عَنِ الْوَهْمِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا قَالَ: حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَسْتَدْعِي الْمُقَايَسَةَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَاهُ لَكَانَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيُهُ فِي الْفَرْعِ غَيْرَ مُسْتَفَادٍ مِنَ الْقِيَاسِ، أَوْ كَانَ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ فَيَكُونُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
وَأَمَّا الْقَيْدُ الثَّانِي فَإِنَّمَا ذِكْرُهُ لِأَنَّ حَمْلَ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ قَدْ بَانَ أَنَّ مَعْنَاهُ التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ، وَحُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَحْمُولُ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ إِثْبَاتًا وَقَدْ يَكُونُ نَفْيًا، وَكَانَتْ عِبَارَتُهُ بِذَلِكَ أَجْمَعَ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَأَمَّا الْقَيْدُ الثَّالِثُ: فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْجَامِعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَإِلَّا كَانَ حَمْلُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
وَأَمَّا الْقَيْدُ الرَّابِعُ: فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدْ يَكُونُ تَارَةً حُكْمًا شَرْعِيًّا، كَمَا لَوْ قَالَ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الْكَلْبِ: نَجِسٌّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا كَمَا لَوْ قَالَ فِي النَّبِيذِ: مُسْكِرٌ، فَكَانَ حَرَامًا كَالْخَمْرِ.
وَأَمَّا الْقَيْدُ الْخَامِسُ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْجَامِعَ مِنَ الْحُكْمِ أَوِ الصِّفَةِ قَدْ يَكُونُ إِثْبَاتًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمِثَالَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْيًا:
إِمَّا فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ إِذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ: غَيْرُ طَاهِرٍ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ كَمَا لَوْ غَسَلَهُ بِاللَّبَنِ وَالْمَرَقِ.
وَإِمَّا فِي الصِّفَةِ فَكَمَا لَوْ قَالَ فِي الصَّبِيِّ: غَيْرُ عَاقِلٍ فَلَا يُكَلَّفُ كَالْمَجْنُونِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ تَشْكِيكَاتٌ لَا بُدَّ فِي ذِكْرِهَا وَالْإِشَارَةِ إِلَى دَفْعِهَا:
الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِحَمْلِ الْمَعْلُومِ عَلَى الْمَعْلُومِ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ إِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْقَوْلُ ثَانِيًا فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا يَكُونُ تَكْرَارًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute