للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الِاطِّرَادُ فَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى السَّلَامَةِ عَنِ النَّقْضِ الْمُعَارِضِ لِدَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ، وَعَدَمُ الْمُعَارِضِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ، وَعَنِ الدَّوْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْلِيلَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِالْمَانِعِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُقْتَضِي.

وَدَلِيلُهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ انْتِفَاؤُهُ بِالْمَانِعِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَمَعَ كَوْنِ الْمُقْتَضِي مُعَارِضًا لِلْمَانِعِ، فَلِأَنْ يَصِحَّ النَّفْيُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الْمُقْتَضِي كَانَ أَوْلَى. (١) الثَّانِي: وَإِنْ سَلَّمْنَا تَوَقُّفَ التَّعْلِيلِ بِالْمَانِعِ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْمُقْتَضِي مُقْتَضِيًا إِنَّمَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالِاعْتِبَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِكَوْنِهِ مُقْتَضِيًا، وَالْمَانِعُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارِضِ فَإِنْ وُجِدَ انْتَفَى الْحُكْمُ الْمُقْتَضَى مَعَ بَقَاءِ الْمُقْتَضِي بِحَالِهِ مُقْتَضِيًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ؛ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ.

الثَّالِثُ: سَلَّمْنَا تَوَقُّفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، لَكِنْ تَوَقُّفُ مَعِيَّةٍ أَوْ تَوَقُّفُ تَقَدُّمٍ، الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَا دَوْرَ.

وَعَنْ قَوْلِهِمْ: فِيهِ تَعْلِيلُ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ، أَنَّ الْمُعَلَّلَ نَفْيُهُ بِالْمَانِعِ إِنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ الَّذِي صَارَ بِسَبَبِ وُجُودِ الْمُقْتَضَى بِعَرَضِيَّةِ الثُّبُوتِ عَرَضِيَّةً لَازِمَةً لَا مُطْلَقَ حُكْمٍ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْلَمُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْمَانِعِ الْمَفْرُوضِ.

وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ مَانِعٌ وَلَا فَوَاتُ شَرْطٍ، فَالْحَقُّ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ إِنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهَا عِلَّةً بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهَا بِثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى وِفْقِهَا، وَذَلِكَ إِنْ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهَا، فَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهَا مَعَ ظُهُورِ مَا يَكُونُ مُسْتَنِدًا لِنَفْيِهِ يَدُلُّ عَلَى إِلْغَائِهَا وَلَيْسَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَيَتَقَاوَمَانِ، وَيَبْقَى الْوَصْفُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الِاعْتِبَارِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ عِلَّةً فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ وَقِرَانُ الْحُكْمِ بِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً وَكَذَلِكَ سَائِرُ طُرُقِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ قَائِمٌ وَإِنْ وُجِدَ النَّقْصُ، وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ


(١) كَانَ أَوْلَى: الْمُنَاسِبُ حَذْفُ كَانَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْأُسْلُوبَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>