للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِ الْوَصْفِ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي فَسَادِ الْعِلَّةِ وَتُقَاوِمُ احْتِمَالَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودِ الْمُعَارِضِ عَلَى السَّوَاءِ، وَإِذَا كَانَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ ظَاهِرًا وَدَلِيلُ الْفَسَادِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَالْمَشْكُوكُ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ. وَدَلِيلُ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي فَسَادِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَتَقَاوُمِ الِاحْتِمَالِ فِيهَا - أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ لِمُعَارِضٍ مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِفَسَادِ الْعِلَّةِ وَهُمَا مُتَقَاوِمَانِ. وَبَيَانُ التَّقَاوُمِ أَنَّ احْتِمَالَ الِانْتِفَاءِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى احْتِمَالِ انْتِفَائِهِ لِلْمُعَارِضِ ; دَفْعًا لِمَحْذُورِ الْمُعَارَضَةِ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ بِالنَّظَرِ إِلَى إِبْطَالِ الْعِلَّةِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً. وَاحْتِمَالُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِلْمُعَارِضِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ الْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِهِ؛ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى وِفْقِ الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً. فَإِذًا احْتِمَالُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ مِنْ وَجْهٍ وَمُخَالِفٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَقَاوَمُ الِاحْتِمَالَانِ عَلَى السَّوَاءِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي فَسَادِ الْعِلَّةِ، وَالشَّكُّ لَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ بِوَجْهٍ.

قُلْنَا: إِذَا اعْتَرَفَ بِالشَّكِّ فِي دَلِيلِ فَسَادِ الْعِلَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الشَّكُّ فِي فَسَادِ الْعِلَّةِ، وَيَلْزَمُ مِنَ الشَّكِّ فِي فَسَادِ الْعِلَّةِ انْتِفَاءُ الظَّنِّ بِكَوْنِهَا عِلَّةً ; لِأَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مُتَقَابِلَانِ فَمَهْمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا وَالْآخَرُ بَعِيدًا فَالْقَوْلُ بِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ مَعَ ظُهُورِ الْآخَرِ مُمْتَنِعٌ كَمَا يَمْتَنِعُ الشَّكُّ فِي الْغَيْمِ مَعَ ظَنِّ الصَّحْوِ، وَالشَّكُّ فِي مَوْتِ زَيْدٍ مَعَ ظَنِّ حَيَاتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا شَكَكْنَا فِي الطَّهَارَةِ وَحَكَمْنَا بِالنَّجَاسَةِ نَظَرًا إِلَى النَّجَاسَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّ الشَّكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُجَامِعُ النَّظَرَ إِلَى الْأَصْلِ بَلْ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْأَصْلِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ احْتِمَالَيِ الشَّكِّ عَلَى الْآخَرِ فَلَا يَبْقَى الشَّكُّ مُتَحَقِّقًا، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي النَّجَاسَةِ أَوِ الطَّهَارَةِ مَعَ النَّظَرِ إِلَى الْأَصْلِ لَبَقِيَ الشَّكُّ مَعْمُولًا بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الشَّكَّ إِنَّمَا وَقَعَ فِي فَسَادِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَعَ النَّظَرِ إِلَى دَلِيلِ الْعِلَّةِ، وَلَوْلَا النَّظَرُ إِلَى دَلِيلِ الْعِلَّةِ لَكَانَ الظَّاهِرُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ لَا انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ، وَمَهْمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِظُهُورِ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّ تَقَاوُمَ الِاحْتِمَالِ إِنَّمَا كَانَ بِالنَّظَرِ إِلَى دَلِيلِ الْعِلَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>