للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَيْفَ وَإِنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: انْتِفَاءُ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْوَصْفِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى وِفْقِهِ مَعَ مُنَاسَبَتِهِ مِمَّا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ فِي مَحَلِّ الِاعْتِبَارِ، وَالْمَشْكُوكُ فِيهِ لَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ، وَبَيَانُ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ فِي الْأَصْلِ الْمُسْتَرْوَحِ إِلَيْهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى وِفْقِ الْأَصْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ بِالنَّظَرِ إِلَى دَلِيلِ الْفَسَادِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَعَ عَدَمِ الظَّفَرِ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ عَلَى وِفْقِ الْأَصْلِ بِالنَّظَرِ إِلَى دَلِيلِ الْفَسَادِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تُقَاوُمُ الِاحْتِمَالَاتِ فِي صِحَّةِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ قَدْ دَلَّ عَلَى فَسَادِهَا فَلَا يُتْرَكُ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ دَلَائِلِ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مُعَارَضٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ: (١) الْأَوَّلُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفُرُوعِ، سَوَاءٌ ظَنَّ بِهَا أَنَّهَا جِهَةٌ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنَّ بِهَا ذَلِكَ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّا إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا هِيَ كَوْنُهُ مَوْزُونًا، ثُمَّ عَلِمْنَا إِبَاحَةَ بَيْعِ الرَّصَاصِ بِالرَّصَاصِ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّهُ مَوْزُونٌ، لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى تَقْتَضِي إِبَاحَتَهُ أَوْ بِنَصٍّ، فَإِنْ عَلِمْنَا إِبَاحَتَهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يُقَايَسُ بِهَا الرَّصَاصُ عَلَى أَصْلٍ مُبَاحٍ لِكَوْنِهِ أَبْيَضَ مَثَلًا، فَإِنَّا عِنْدَ ذَلِكَ لَا نَعْلَمُ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ مُتَفَاضِلًا إِلَّا بِكَوْنِهِ مَوْزُونًا غَيْرَ أَبْيَضَ، فَإِنَّا لَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ أَبْيَضَ لَمْ نَعْلَمْ قُبْحَ بَيْعِهِ مُتَفَاضِلًا كَمَا لَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَوْزُونًا، فَبَانَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ بَعْدَ التَّخْصِيصِ تَحْرِيمَ شَيْءٍ لِكَوْنِهِ مَوْزُونًا فَقَطْ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْزُونُ


(١) هَذِهِ مُعَارَضَاتٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِمَنْعِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مُطْلَقًا لِأَدِلَّةِ مَنْ يَقُولُونَ بِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا فِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ: الْعِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ مُطْلَقًا، وَالظَّنِّيَّةُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمَنْصُوصَةُ الظَّنِّيَّةُ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُسْتَنْبَطَةُ إِذَا كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ مِنْ مَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>