للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ.

وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: ( «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» ) فَإِنَّهُ وَإِنْ دَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْغَضَبِ عِلَّةٌ فَجَوَازُ الْقَضَاءِ مَعَ الْغَضَبِ الْيَسِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْغَضَبِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، بَلِ الْغَضَبُ الْمَانِعُ مِنَ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ.

وَإِذَا عَرِفْتَ أَقْسَامَ الْوَصْفِ الْمُومَأِ إِلَيْهِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي اشْتِرَاطِ مُنَاسِبَةِ الْوَصْفِ الْمُومَأِ إِلَيْهِ، فَأَثْبَتَهُ قَوْمٌ وَنَفَاهُ آخَرُونَ كَالْغَزَالِيِّ وَأَتْبَاعِهِ.

حُجَّةُ مَنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الشَّارِعِ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ (١) ، وَلَوْ قَالَ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ لِغَيْرِهِ: (أَكْرِمِ الْجَاهِلَ وَأَهِنِ الْعَالِمَ) قَضَى كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِإِكْرَامِ الْجَاهِلِ لِجَهْلِهِ، وَلَا أَنَّ أَمْرَهُ بِإِهَانَةِ الْعَالَمِ لِعِلْمِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لَا تَتَعَدَّى مَسَالِكَ الْحِكْمَةِ وَقَضَايَا الْعَقْلِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَاقِعٌ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنِ الْحُكْمِ إِمَّا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزَلَةِ، وَإِمَّا بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى رَأْيِ أَصْحَابِنَا (٢) وَسَوَاءٌ ظَهَرَتِ الْحِكْمَةُ أَمْ لَمْ تَظْهَرْ.

وَمَا يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ وَلَا وَهْمَ الْمُنَاسَبَةِ يُعْلَمُ امْتِنَاعُ التَّعْلِيلِ بِهِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنْ تَقُولَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْقِسْمِ السَّادِسِ الَّذِي فُهِمَ التَّعْلِيلُ فِيهِ مُسْتَنِدًا إِلَى ذِكْرِ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فَهْمُ التَّعْلِيلِ فِيهِ دُونَ فَهْمِ الْمُنَاسَبَةِ ; لِأَنَّ عَدَمَ الْمُنَاسَبَةِ فِيمَا الْمُنَاسَبَةُ شَرْطٌ فِيهِ يَكُونُ تَنَاقُضًا، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ


(١) لَوْ قَالَ: تَصَرُّفَاتُ الْعُقَلَاءِ لَا تَتَعَدَّى مَسَالِكَ الْحِكْمَةِ وَقَضَايَا الْعَقْلِ فَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ أَوْلَى بِذَلِكَ، لَكَانَ أَنْسَبَ فِي حَقِّ اللَّهِ وَمُغْنِيًا عَنْ قَوْلِهِ: الْغَالِبُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الشَّارِعِ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ فَإِنَّ فِيهَا مَا فِيهَا.
(٢) أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ تَعْلِيقًا ص ٢٦٠ ج٣ إِلَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>