للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَقْسَامِ فَلَا يَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ فِيهَا بِمَا لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَأَمَّا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ وَالْعَلَامَةِ فَلَا.

وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ قِيلَ: إِنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَلَا اتِّجَاهَ لَهَا فِي التَّعْلِيلِ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ وَالْعَلَامَةِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْجَهْلِ عَلَامَةً عَلَى الْإِكْرَامِ وَالْعِلْمِ عَلَامَةً عَلَى الْإِهَانَةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْبَاعِثُ بَلِ الْبَاعِثُ غَيْرُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ الْإِيمَاءِ فِيمَا إِذَا كَانَ حُكْمُ الْوَصْفِ الْمُومَأِ إِلَيْهِ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ كَالْأَمْثِلَةِ السَّابِقِ ذَكْرِهَا.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْوَصْفِ بِصَرِيحِهِ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فَإِنَّ اللَّفْظَ بِصَرِيحِهِ يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَالصِّحَّةُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْهُ.

وَوَجَّهَ اسْتِنْبَاطِ الصِّحَّةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَيْعِ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ مُثْمِرًا ; إِذْ هُوَ مَعْنَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُثْمِرًا مُفِيدًا كَانَ تَعَاطِيهِ عَبَثًا، وَالْعَبَثُ مَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يَحِلُّ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ مِنَ الْحِلِّ الصِّحَّةِ لِتَعَذُّرِ الْحِلِّ مَعَ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ.

وَهَذَا (١) مِمَّا اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مُومَأً إِلَيْهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى امْتِنَاعِ الْإِيمَاءِ تَمَسُّكًا مِنْهُمْ بِأَنَّ الْإِيمَاءَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا دَلَّ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ كَمَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ.

وَأَمَّا إِذَا دَلَّ عَلَى الْوَصْفِ بِالْوَضْعِ وَكَانَ الْحُكْمُ مُسْتَنْبَطًا مِنْهُ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ مَوْمَأً إِلَيْهِ، كَمَا إِذَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى الْحُكْمِ بِوَضْعِهِ وَكَانَ الْوَصْفُ مُسْتَنْبَطًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيمَاءِ إِلَى الْوَصْفِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا» " (٢) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَضْعًا، وَالشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ عِلَّةٌ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْهُ وَلَيْسَتْ مَوْمَأً إِلَيْهَا.


(١) وَهَذَا - فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ: فَهَذَا ; لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِهِ: وَأَمَّا إِذَا كَانَ اللَّفْظُ.
(٢) تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ١٩١ ج٣ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنَ التَّمْثِيلِ بِهِ لِمَا حُكْمُهُ مَنْصُوصٌ وَعِلَّتَهُ مُسْتَنْبَطٌ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلًّا مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَعِلَّتِهِ الْمُوجِبَةِ لَهُ مَنْصُوصٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " إِلَى قَوْلِهِ: " فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ "، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>