للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى كَوْنِهِ مَوْمَأً إِلَيْهِ وَهُوَ الْحَقُّ.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ بِصَرِيحِهِ يَدُلُّ عَلَى الْوَصْفِ وَهُوَ الْحِلُّ، وَالصِّحَّةُ لَازِمَةٌ لَهُ لِمَا تَقَرَّرَ، فَإِثْبَاتُ الْحِلِّ وَضْعًا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لَازِمَةً لِلْحِلِّ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ لَهُ مَعَ وَصْفِ الْحِلِّ، وَإِثْبَاتُ الشَّارِعِ لِلْحُكْمِ مُقْتَرِنًا بِذِكْرِ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ دَلِيلُ الْإِيمَاءِ إِلَى الْوَصْفِ، كَمَا لَوْ ذَكَرَ مَعَهُ الْحُكْمَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا ضَرُورَةَ تَسَاوِيهِمَا فِي الثُّبُوتِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي طَرِيقِ الثُّبُوتِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثَابِتًا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَضْعًا، وَالْآخِرِ مُسْتَنْبَطًا مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَضْعًا ; لِأَنَّ الْإِيمَاءَ إِنَّمَا كَانَ مُسْتَفَادًا عِنْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ مِنْ جِهَةِ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْحُكْمِ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مَدْلُولًا عَلَيْهِ وَضْعًا وَالْوَصْفُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُسْتَنْبَطَ مِنَ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ بِهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ لَازِمًا مِنَ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ بِهِ، وَلَا مُنَاسَبَتُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَبْلَ شَرْعِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ مَعَ الْحِلِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَاءِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمُومَأُ إِلَيْهِ مَذْكُورًا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مَعَ الْحُكْمِ أَوْ لَازِمًا مِنْ مَدْلُولِ كَلَامِهِ (١) ، وَالْأَمْرَانِ مَفْقُودَانِ فِي الْوَصْفِ الْمُسْتَنْبَطِ بِخِلَافِ الْحِلِّ مَعَ الصِّحَّةِ. (٢)


(١) أَوْ لَازِمًا مِنْ مَدْلُولِ كَلَامِهِ - فِيهِ سَقْطٌ وَالْأَصْلُ: أَوِ الْحُكْمُ لَازِمًا مِنْ مَدْلُولِ كَلَامِهِ.
(٢) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الْعَقْلِيَّةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ: ذِكْرُ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فِي النَّصِّ كَمَا فِي حَدِيثِ: " لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ " وَهَذَا مُتَّفَقٌ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مُومَأٌ إِلَيْهِ.
الثَّانِي: ذِكْرُ الْوَصْفِ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ لَازِمٌ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فَحِلُّ الْبَيْعِ هُنَا وَصَفٌّ مُسْتَلْزِمٌ لِلصِّحَّةِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلْحِلِّ فَائِدَةً وَلَا ارْتَفَعَ بِارْتِفَاعِ الصِّحَّةِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْقِسْمُ مُخْتَلِفٌ فِي كَوْنِ الْوَصْفِ مُومَأً إِلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: ذِكْرُ الْحُكْمِ فِي النَّصِّ وَالْوَصْفُ لَازِمٌ لَهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ كَحِلِّ الْبَيْعِ لِلْحَاجَةِ إِلَى تَبَادُلِ الْمَنَافِعِ، فَالْحِلُّ مَنْصُوصٌ وَالْحَاجَةُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَوْمَأً إِلَيْهِ.
الرَّابِعُ: وَهُوَ أَلَّا يُذْكَرَ الْحُكْمُ وَلَا الْوَصْفُ فَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>