للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إِلَى الْعِبَادِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْأَوَّلِ لِتَعَالِيهِ عَنِ الضَّرَرِ وَالِانْتِفَاعِ وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الثَّانِي.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَحْكَامَ مِمَّا جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ فَكَانَتْ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، فَلَوْ خَلَتِ الْأَحْكَامُ عَنْ حِكْمَةٍ عَائِدَةٍ إِلَى الْعَالَمِينَ مَا كَانَتْ رَحْمَةً بَلْ نِقْمَةً ; لِكَوْنِ التَّكْلِيفِ بِهَا مَحْضَ تَعَبٍ وَنَصَبٍ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} فَلَوْ كَانَ شَرْعُ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ لَا لِحِكْمَةٍ لَكَانَتْ نِقْمَةً لَا رَحْمَةً لَمَا سَبَقَ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» " (١) ، فَلَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْأَحْكَامِ لَا لِحِكْمَةٍ عَائِدَةٍ إِلَى الْعِبَادِ لَكَانَ شَرْعُهَا ضَرَرًا مَحْضًا، وَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، فَإِذَا رَأَيْنَا حُكْمًا مَشْرُوعًا مُسْتَلْزِمًا لِأَمْرٍ مَصْلَحِيٍّ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْغَرَضُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، أَوْ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَنَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَنَا، وَإِلَّا كَانَ شَرْعُ الْحُكْمِ تَعَبُّدًا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا لِمَا ظَهَرَ،


(١) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ "، وَفِي سَنَدِهِ جَابِرُ بْنُ يَزِيدِ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ رَافِضِيٌّ مُدَلِّسٌّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَرَمَاهُ آخَرُونَ بِالْكَذِبِ، مَاتَ عَامَ ١٢٨ أَوْ ١٣٢ هـ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ " وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عُنْعِنَ، وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى لَا يَخْلُو بَعْضُهَا مِنْ مَطْعَنٍ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ يَشْهَدُ لَهُ اسْتِقْرَاءُ نُصُوصِ الشَّرِيعَةِ وَالْأُصُولِ الْعَامَّةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>