للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنِ الْقِيَاسُ مُفِيدًا ; لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ عَدَمُهُ كَانَ مُقْتَضَاهُ مُتَحَقِّقًا بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَهُوَ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ مُتَيَقِّنَةٌ وَالْقِيَاسَ مَظْنُونٌ وَالْيَقِينَ تَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ بِالظَّنِّ.

الثَّامِنُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا فِي الْفُرُوعِ لِظَنِّ الْمَصْلَحَةِ ; لَجَازَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْأَقْيِسَةِ وَهُوَ مُحَالٌ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسَلْسُلِ.

التَّاسِعُ: أَنَّ الشَّرْعِيَّاتِ مَصَالِحٌ، فَلَوْ جَازَ إِثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ لَجَازَ أَنْ يُتَعَبَّدَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِ زَيْدٍ فِي الدَّارِ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ فِيهَا بِالْأَمَارَاتِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ الرَّجْمَ بِالظَّنِّ جَهْلٌ وَلَا صَلَاحَ لِلْخُلُقِ فِي إِقْحَامِهِمْ وَرْطَةَ الْجَهْلِ حَتَّى يَتَخَبَّطُوا فِيهِ وَيَحْكُمُوا بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى (١) .

الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ قِيَاسٌ إِلَّا بِعِلَّةٍ، وَالْعِلَّةُ مَا تُوجِبُ الْحُكْمَ بِذَاتِهَا، وَعِلَلُ الشَّرْعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَلَا قِيَاسَ (٢) .

الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى خَبَرُهُ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ لَا بِالْقِيَاسِ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ فِعْلِنَا لَا مِنْ تَوْقِيفِ الشَّارِعِ.

الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ جَلِيَّ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالنُّصُوصِ فَكَذَلِكَ خَفِيُّهَا كَالْمُدْرَكَاتِ، فَإِنَّ جَلِيَّهَا وَخَفِيَّهَا لَا يُدْرَكُ بِغَيْرِ الْحِسِّ.

الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلشَّرْعِيَّاتِ عِلَلٌ لَاسْتَحَالَ انْفِكَاكُهَا عَنْ أَحْكَامِهَا كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ انْفِكَاكُ الْحَرَكَةِ الْقَائِمَةِ بِالْجِسْمِ عَنْ كَوْنِهِ مُتَحَرِّكًا


(١) وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَعْتَمِدُ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالْعِلَلِ الَّتِي اعْتُبِرَتْ بِأَدِلَّتِهَا فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَلَا إِقْحَامًا لِلنَّاسِ فِي وَرْطَةِ الْجَهْلِ إِذْ كَانَ مُعَرَّفًا لِلْأَحْكَامِ بِإِرْشَادِ الشَّارِعِ إِلَى عِلَلِهَا وَمَقَاصِدِهَا.
(٢) عِلَلُ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تُوجِبِ الْحُكْمَ بِذَاتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا بَعْدَ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَهَا وَبِنَائِهِ الْحُكْمَ عَلَيْهَا صَارَتْ مُوجِبَةً لِلْأَحْكَامِ حَيْثُ وُجِدَتْ إِلَّا لِمُعَارِضٍ مِنْ فَقْدِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، انْظُرْ جَوَابَ الْآمِدِيِّ عَنِ الشُّبْهَةِ ١٤، ١٩ فِيمَا يَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>