للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يُمْكِنُ (١) حَمْلُ الرَّدِّ عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ كَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، أَنْ لَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُ لَفْظِ الرَّدِّ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ حَمْلِهِ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ كَوْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مَأْمُورًا أَوْ مَنْهِيًّا، أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} " فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} " أَيْ: فِيمَا لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ " {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} " بِالسُّؤَالِ لِلرَّسُولِ لِيُنْبِئَكُمْ عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْآيَةِ بِمَنْ وُجِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَعْمِيمِ وُجُوبِ الطَّاعَةِ وَالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الرَّدِّ السُّؤَالَ لِلرَّسُولِ لَمَا تُصُوِّرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَ بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

قُلْنَا: وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّاعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ زَمَانٍ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ ثَابِتٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ ; لِأَنَّهُ إِنْ حُمِلَ الرَّدُّ عَلَى الْقِيَاسِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى السُّؤَالِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ (٢) .

فَإِنْ قِيلَ: الضَّمِيرُ فِي الْمُخَاطَبِ بِالرَّدِّ عَائِدٌ إِلَى الْمُخَاطَبِ بِالطَّاعَةِ، فَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِالطَّاعَةِ عَامًّا، فَكَذَلِكَ الْخِطَابُ بِالرَّدِّ وَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ الرَّدِّ عَلَى السُّؤَالِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِيَاسَ.

قُلْنَا: وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّاعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ زَمَانٍ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِقَوْلِهِ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} لِأَنَّهَا مُشَافَهَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ


(١) وَإِنَّمَا يُمْكِنُ - فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ إِلَخْ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ إِلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ.
(٢) الْآيَةُ لَمْ يُقَيَّدْ وُجُوبُ الرَّدِّ فِيهَا بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَلَا بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ وُجُوبُ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ بِفَهْمِ النُّصُوصِ وَإِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُؤَالِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَإِلَى سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَبِفَهْمِ النُّصُوصِ بِرَدِّ مُجْمَلِهَا إِلَى مُفَصَّلِهَا وَمُتَشَابِهِهَا إِلَى مُحْكَمِهَا وَبِرَدِّ النَّظِيرِ إِلَى نَظِيرِهِ وَإِعْطَائِهِ حُكْمَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>