للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْرِيرُهُ فِي الْأَوَامِرِ (١) .

وَإِنْ سَلَّمْنَا عُمُومَ خِطَابِ الْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: " {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} " ظَاهِرًا فِي الْعَوْدِ إِلَى كُلِّ مَنْ أَمَرَ بِالطَّاعَةِ، فَعَوْدُهُ إِلَى الْبَعْضِ وَهُوَ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِضَرُورَةِ حَمْلِ الرَّدِّ عَلَى السُّؤَالِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ، غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا لِلْعُمُومِ وَهُوَ مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ فِي حَمْلِ الرَّدِّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ وَعَامِّيٍّ، وَيَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ لَفْظِ الرَّدِّ عَلَى الْقِيَاسِ تَخْصِيصُ الْآيَةِ بِالْمُجْتَهِدِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ مُخَالَفَةُ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ (٢) .

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وَالِاسْتِنْبَاطُ هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ حَمْلُ الِاسْتِنْبَاطِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْقِيَاسِ أَنْ لَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ اسْتِخْرَاجُ الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلِهِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقِيَاسِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمُسْتَخْرِجِ الْحُكْمِ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ إِنَّهُ مُسْتَنْبِطٌ.

كَيْفَ وَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي صَدْرِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمْنُ وَالْخَوْفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ} ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ {أَذَاعُوا بِهِ} وَفِي قَوْلِهِ {وَلَوْ رَدُّوهُ} وَفِي قَوْلِهِ {لَعَلِمَهُ} وَفِي قَوْلِهِ {يَسْتَنْبِطُونَهُ} عَائِدًا إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ لَا إِلَى غَيْرِهِ مَذْكُورٌ.، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ صَدِّهِمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ أَبَاؤُهُمْ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْمُشَابَهَةِ فِي الْبَشَرِيَّةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ الْقِيَاسِ فَكَانَ حُجَّةً، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا لِوَجْهَيْنِ:


(١) انْظُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ وَمَا كُتِبَ عَلَيْهَا تَعْلِيقًا ص ٢٧٤ وَ ٢٧٥ مِنْ ج٢.
(٢) تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا أَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ لَمْ يُخَصَّ بِحَالٍ وَلَا زَمَنٍ وَلَا بِأَحَدٍ، فَيَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا الرَّدُّ إِلَيْهِ بِسُؤَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِتَعَذُّرِهِ وَإِلَّا مَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّدِّ إِلَيْهِ لِضِعْفِ اسْتِعْدَادِهِ أَوْ مُؤَهِّلَاتِهِ، فَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ عَمَلًا بِنُصُوصِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَأَدِلَّةِ مَنْعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الذِّكْرِ وَيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ قَدْرَ الطَّاقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>