للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِيَاسُ الَّذِي عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةٌ أَوْ مُومَأٌ إِلَيْهَا وَبِقِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ فِي امْتِنَاعِ إِثْبَاتِهَا بِالْقِيَاسِ.

سَلَّمْنَا الْعُمُومَ لَكِنَّهُ قَدْ خُصَّ بِمَا كُلِّفْنَا فِيهِ بِالْيَقِينِ وَبِمَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَبِمَا لَمْ نَعْلَمْ لَهُ أَصْلًا وَلَا وَصْفًا جَامِعًا، فَإِنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ: " أَعْتِقْ غَانِمًا لِسَوَادِهِ " فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيَةُ ذَلِكَ إِلَى سَالِمٍ وَإِنْ كَانَ مُسْوَدًّا.

وَالْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لَا يَبْقَى حُجَّةً، وَإِنْ بَقِيَ حُجَّةً فَفِي أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ الْعَامُّ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْعُمُومِ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً فِيمَا عَدَا مَحَلِّ التَّخْصِيصِ، غَيْرَ أَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ مَعَ الْمَوْجُودِينَ، فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي وَقْتِ نُزُولِ الْوَحْيِ بِالْآيَةِ، وَإِنْ عَمَّ جَمِيعَ الْأَزْمَانِ وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ مُطْلَقٌ، فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْفَوْرِ وَلَا لِلتَّكْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لِذَلِكَ لَكِنْ بِطَرِيقٍ ظَنِّيٍّ لَا قَطْعِيٍّ، وَالْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ لَا ظَنِّيَّةٌ.

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صِيغَةَ (افْعَلْ) ظَاهِرَةٌ فِي الطَّلَبِ، وَأَنَّ الطَّلَبَ لَا يَخْرُجُ عَنِ اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ فِي الْأَوَامِرِ وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ قَدَرَ كَانَ دَلِيلًا عَلَى شَرْعِ الْقِيَاسِ.

قَوْلُهُمْ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِبَارَةٌ عَمَّا ذَكَرْتُمُوهُ.

قُلْنَا: دَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ (١) .

قَوْلُهُمْ: يُطْلَقُ بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ.

قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ:

الْأَوَّلُ: الْمَنْعُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: اعْتَبَرَ فُلَانٌ فَاتَّعَظَ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ هُوَ الِاتِّعَاظُ لَمَا حَسُنَ هَذَا الْكَلَامُ وَالتَّرْتِيبُ، وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ.

الثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنَ الشَّيْءِ إِلَى (٢) (غَيْرِهِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالِاتِّعَاظِ أَمَّا أَنَّ الِانْتِقَالَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْقِيَاسِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ فِي الِاتِّعَاظِ) فَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَّعِظَ بِغَيْرِهِ مُنْتَقِلٌ مِنَ الْعِلْمِ بِحَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ إِلَى الْعِلْمِ بِحَالِ نَفْسِهِ (٣) (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الِاعْتِبَارِ حَقِيقَةً فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ بِالِاعْتِبَارِ أَمْرٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالِاتِّعَاظِ،


(١) دَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ - أَيْ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعْنَى الِانْتِقَالِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْقِيَاسِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ.
(٢) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ مِنَ الْمَخْطُوطَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَطْبُوعَاتِ.
(٣) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ مِنَ الْمَخْطُوطَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَطْبُوعَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>