للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِوَاحِدٍ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ أَوْ لِكُلِّ اعْتِبَارٍ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَتَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِهِ إِنَّمَا كَانَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَتِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فَكَمَا تَحْصُلُ مِنَ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ تَحْصُلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ ضَرُورَةَ الِاشْتِرَاكِ فِي مَلْزُومِهَا، فَاللَّفْظُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا بِلَفْظِهِ فَيَكُونُ عَامًّا بِمَعْنَاهُ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمَطْلُوبُ) فَكَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَةِ مَا فِيهِ مِنَ الِانْتِقَالِ وَذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنِ الْآيَتَيْنِ.

قَوْلُهُمْ: الْقَائِسُ إِذَا كَانَ مُعْرِضًا عَنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ يُقَالُ إِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.

قُلْنَا: لَا يَصِحُّ إِلَى كَوْنِهِ قَائِسًا، وَإِنَّمَا صَحَّ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ النَّفْيَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ نَظَرًا إِلَى إِخْلَالِهِ بِأَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ أَمْرُ الْمَعَادِ.

(وَعَنِ الثَّالِثِ (١) أَنَّهُ إِذَا كَانَ الِانْتِقَالُ مُتَحَقِّقًا فِي الِاتِّعَاظِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ - وَذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ - فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ تَرْتِيبِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ.

وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ اللَّفْظَ إِنْ كَانَ عَامًّا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ (٢) نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الشَّارِعِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُخَاطِبُنَا بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَهُوَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِيهِ مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ قَبْلُ.

وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً فَقَدْ سَلَّمَ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِبَعْضِ الْأَقْيِسَةِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَسْلِيمُ الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ) .

وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا وَرَاءَ صُوَرِ التَّخْصِيصِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْعُمُومِ.

وَعَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَا يَعُمُّ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَعُمُّ بِتَقْدِيرِ الْوُجُودِ وَالْفَهْمِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَعُمُّ بِلَفْظِهِ، فَهُوَ عَامٌّ بِمَعْنَاهُ، نَظَرًا إِلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْخِطَابِ الثَّابِثِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْخِطَابُ عَامًّا بِلَفْظِهِ


(١) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ خَالَفْتُ فِيهِ الْمَخْطُوطَةَ الْمَطْبُوعَةَ فَرَأْيُنَا أَنَّ مَا فِي الْمَطْبُوعَةِ أَوْلَى بِالْإِثْبَاتِ.
(٢) أَقُولُ هَذَا فَرْعُ كَوْنِ الْقِيَاسِ الْمَبْنِيِّ عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ شَرْعِيًّا وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>