وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَإِنَّمَا تُفِيدُ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْقِيَاسُ مِمَّا عُرِفَ التَّعَبُّدُ بِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَتَوَقَّفُ كَوْنُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ تَقَدُّمًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ بِهِ غَيْرَ مُسْتَفَادٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ بِهِ تَقَدُّمًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَجَوَابُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِ الْآيَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا حَكَمْنَا بِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ عِنْدَ ظَنِّنَا بِهِ، فَحُكْمُنَا بِهِ يَكُونُ مَعْلُومَ الْوُجُوبِ لَنَا بِالْإِجْمَاعِ لَا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ الْآيَتَيْنِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ عَلَى مَا تَعَبَّدْنَا فِيهِ بِالْعِلْمِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَتَيْنِ حُجَّةٌ عَلَى الْخُصُومِ فِي الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ، إِذَا هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُمْ لِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ عِلْمِيَّةٍ، فَكَانَتْ مُشْتَرِكَةَ الدَّلَالَةِ.
وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ يَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ فَإِنَّ مَنْ حَكَمَ بِمَا هُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنَ الْمَنْزِلِ فَقَدْ حَكَمَ بِالْمَنْزِلِ، كَيْفَ وَأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الرَّسُولِ؟ وَلَا يَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّسُولِ لِإِمْكَانِ تَعَرُّفِهِ أَحْكَامَ الْوَقَائِعِ بِالْوَحْيِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (١) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ، وَقَوْلُهُ: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ الْقِيَاسِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُسْتَنْبَطِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ وَقَوْلِ الرَّسُولِ حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ وَرَدٌّ إِلَيْهِ وَإِلَى الرَّسُولِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ، فَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ اللَّهِ وَقَوْلِ الرَّسُولِ وَلَا بِمَا اسْتُنْبِطَ مِنْهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ،
(١) أَيْ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute