للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَضَافُوهَا إِلَيْهِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُمْ إِذَا قَالُوا: اضْرِبْ هَذَا الْأَسْوَدَ لِكَوْنِهِ سَارِقًا، فَإِنَّهُمْ يُلْغُونَ خُصُوصَ إِضَافَةِ السَّرِقَةِ إِلَى الْأَسْوَدِ، حَتَّى إِنَّ السَّرِقَةَ لَوْ وُجِدَتْ مِنْ أَبْيَضَ كَانَتْ مُقْتَضِيَةً لِضَرْبِهِ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَخْذُ خُصُوصِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى مَحَلِّهَا فِي التَّعْلِيلِ لَمَا صَحَّ قِيَاسٌ أَصْلًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ الشَّارِعُ: حَرَّمْتُ التَّأْفِيفَ لِلْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّهُ يَفْهَمُ مِنْهُ كُلُّ عَاقِلٍ تَحْرِيمَ ضَرْبِهِمَا لِمَا كَانَ الشَّارِعُ مُومِئًا إِلَى الْعِلَّةِ - وَهِيَ كَفُّ الْأَذَى عَنْهُمَا - فَإِذَا صَرَّحَ بِالْعِلَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالتَّعْدِيَةِ، وَلَوْ كَانَ لِخُصُوصِ الْأَذَى بِالتَّأْفِيفِ مُدْخَلٌ فِي التَّعْلِيلِ، لَمَا فَهِمَ تَحْرِيمَ الضَّرْبِ.

سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّعْدِيَةِ فِيمَا إِذَا قَالَ: حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِكَوْنِهَا مُسْكِرَةً، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِيمَا إِذَا قَالَ: عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ، حَيْثُ إِنَّهُ لَا إِضَافَةَ.

وَالْجَوَابُ: (١) قَوْلُهُمْ: لِمَ قُلْتُمْ إِنَّ اللَّفْظَ بِعُمُومِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، قُلْنَا: (٢) .

قَوْلُهُمْ: إِنَّ قَوْلَهُ أَعْتَقْتُ سَالِمًا لِسَوَادِهِ مُقْتَضٍ بِلَفْظِهِ عِتْقَ غَيْرِهِ مِنَ الْعَبِيدِ السُّودَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْعِتْقِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: أَعْتَقْتُ سَالِمًا، وَذَلِكَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيلِ، فَهُوَ عَوْدٌ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعُقَلَاءَ يُنَاقِضُونَهُ فِي ذَلِكَ بِغَانِمٍ.

قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عُمُومِ لَفْظِ الْعِتْقِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمْ طَلَبًا لِفَائِدَةِ التَّخْصِيصِ لِسَالِمٍ بِالْعِتْقِ مَعَ ظَنِّهِمْ عُمُومَ الْعِلَّةِ الَّتِي عُلِّلَ بِهَا، وَإِذَا بَطَلَ الْقَوْلُ بِتَعْمِيمِ اللَّفْظِ، فَالْعِتْقُ يَكُونُ مُنْتَفِيًا فِي غَانِمٍ لِعَدَمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى عِتْقِهِ (٣) لَا لِمَا ذَكَرُوهُ


(١) انْظُرِ الْوَجْهَ السَّادِسَ مِنْ مُعَارَضَاتِ مَنْ مَنَعَ الْقِيَاسَ ص ١٠ وَجَوَابُهُ ص ١٧ ج٤.
(٢) لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَمَاثُلَ بَيْنَ دَلَالَةِ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ ; جُمْلَةِ حَرَّمْتُ كُلَّ مُسْكِرٍ وَجُمْلَةِ حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهِ.
(٣) أَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ انْتِفَاءُ عِتْقِ غَانِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يُسْتَفَادَ عِتْقُهُ مِنَ الْعُمُومِ مِنْ جِهَةِ الْعِلَّةِ، وَإِذَنْ لَا بُدَّ فِي انْتِفَاءِ عِتْقِ غَانِمٍ مِنْ بُطْلَانِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ جِهَةِ الْعِلَّةِ أَيْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>