للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَيْفَ وَإِنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَلْزَمَ مِنْهُ نَفْيُ الْعِتْقِ مَعَ وُجُودِ دَلِيلِهِ فِي حَقِّ غَانِمٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لَكَانَ الْأَصْلُ اعْتِبَارَ لَفْظِهِ فِي مَدْلُولِهِ نَظَرًا إِلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْعَاقِلِ الَّتِي دَلَّ لَفْظُهُ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: بِعْ سَالِمًا لِسَوَادِهِ، وَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ أَسْوَدَ مِنْ عَبِيدِي لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي غَيْرِ سَالِمٍ.

لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: مَهْمَا ظَهَرَ لَكَ مِنْ إِرَادَتِي وَرِضَائِي بِشَيْءٍ بِالِاسْتِدْلَالِ دُونَ صَرِيحِ الْمَقَالِ فَافْعَلْهُ، فَلَهُ فِعْلُهُ.

فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ سَالِمًا لِسَوَادِهِ، وَقِسْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ السَّوَادُ الْجَامِعُ بَيْنَ سَالِمٍ وَغَانِمٍ وَأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ إِرَادَتُهُ لِعِتْقِ غَانِمٍ، فَكَانَ لَهُ عِتْقُهُ.

قَوْلُهُمْ: لِمَ قُلْتُمْ بِامْتِنَاعِ الْحُكْمِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ؟

قُلْنَا: لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْعِلَّةِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ، وَيَجِبُ اعْتِقَادُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ ; حَذَرًا مِنَ التَّعَارُضِ فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنَ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ، أَنَّا إِنَّمَا قَضَيْنَا فِيمَا ذَكَرُوهُ بِالتَّعْمِيمِ نَظَرًا إِلَى حَالِ الْآبَاءِ مَعَ الْأَبْنَاءِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي حَقِّهِمْ بَيْنَ سُمٍّ وَسُمٍّ، وَغِذَاءٍ نَافِعٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ النَّافِعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَوْ أَوْجَبَهُ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ مُطَّرِدَةٌ بِإِبَاحَةِ مِثْلِ مَا حَرَّمَ وَتَحْرِيمِ مِثْلِ مَا أَوْجَبَ، حَتَّى أَنَّهُ يُوجِبُ الصَّوْمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيُحَرِّمُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَيُبِيحُ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي زَمَانٍ وَيُحَرِّمُهُ فِي زَمَانٍ، وَيُوجِبُ الْغَسْلَ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَالرَّشَّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُوجِبُ الْغَسْلَ مِنَ الْمَنِيِّ دُونَ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِهِمَا، وَيُوجِبُ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءَ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَيُبِيحُ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ الرَّقِيقَةِ الْحَسْنَاءِ دُونَ الْحُرَّةِ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَعَلَى عَكْسِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ (١)


(١) دَعْوَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَجَمَعَتْ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، انْظُرْ جَوَابَ الْآمِدِيِّ عَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى مِنْ مُعَارَضَاتِ مَانِعِيِ الْقِيَاسِ ص ١٧ ج٤ وَمَا كَتَبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي ذَلِكَ ص ٥٢ ج٢ مِنْ إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ طُبِعَ، مَطْبَعَةُ دَارِ السَّعَادَةِ بِمِصْرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>