للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ لِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنِ اخْتِصَاصِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ بِمَصْلَحَةٍ مُقَارِنَةٍ لِزَمَانِهِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي مِثْلِهِ (١) ، إِذْ لَيْسَتِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ مِنَ الْأُمُورِ التَّابِعَةِ لِذَوَاتِ الْأَوْصَافِ وَطِبَاعِهَا حَتَّى تَكُونَ لَازِمَةً لَهَا، بَلْ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، هَذَا كُلُّهُ إِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَإِلَّا فَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ (٢) .

وَعَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي: أَنَّ النَّظَرَ فِي التَّعْلِيلِ إِلَى مُنَاسَبَةِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرِكِ وَإِلْغَاءِ مَا بِهِ الِافْتِرَاقُ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى وُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ لَا يَكُونَ مُوجِبًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوجِبًا فَهُوَ دَلِيلُ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعِلَّةِ دُونَهُ لَا يَكُونُ كَافِيًا فِي تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلتَّعْدِيَةِ فَلَا أَثَرَ لِإِيرَادِهِ.

وَعَنِ الْإِشْكَالِ الثَّالِثِ: بِأَنَّ فَائِدَةَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْعِلَّةِ أَنْ تُعْلَمَ حَتَّى يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، إِنْ كَانَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَسْرَعَ فِي الِانْقِيَادِ


(١) قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنِ اخْتِصَاصِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ بِمَصْلَحَةٍ مُقَارِنَةٍ لِزَمَانِهِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي مِثْلِهِ، يَنْقُضُ دَعْوَاهُ مِنْ قَبْلُ - أَنَّ الْعَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ مُطَّرِدَةٌ بِإِبَاحَةِ مِثْلِ مَا حَرَّمَ إِذِ اخْتِصَاصُ كُلٍّ بِمَصْلَحَةٍ عَلِمَهَا اللَّهُ ظَهَرَتْ لَنَا أَمْ لَا - يَجْعَلُهُ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ فَيَحْكُمُ لَهُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ، وَإِذَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ لِاخْتِلَافِ مُقْتَضَى الْحُكْمِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا الْمُخْتَلِفَاتُ قَدْ يُوجَدُ بَيْنَهُمَا مَعْنًى مُشْتَرِكٌ يَقْتَضِي وَحْدَتَهَا فِي حُكْمٍ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِنْ جِهَاتٍ أُخْرَى.
(٢) تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا الْكَلَامُ عَلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ اللَّهِ لِلْمَصْلَحَةِ فِي فِعْلِهِ وَتَشْرِيعِهِ، وَكَوْنُهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَنَافَى مَعَ وُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّهُ كَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عُمُومُ إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ وَلَا يُشَرِّعُ إِلَّا مَا هُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَإِذَنْ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَشَاءُ إِلَّا مَا كَانَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَالْعَدَالَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>