للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِمَّا يَدْخُلُهُ احْتِمَالُ الْخَطَأِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ وَالْعُقُوبَاتُ مِمَّا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» " (١) .

الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَوْجَبَ حَدَّ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَلَمْ يُوجِبْهُ بِمُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ مَعَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَطْعِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا وَزُورًا وَلَمْ يُوجِبْهَا فِي الرِّدَّةِ مَعَ أَنَّهَا أَشَدُّ فِي الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ، فَحَيْثُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ أَوْلَى دَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِيهِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ.

وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَدَّى مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ إِنَّمَا هُوَ وُجُوبُ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُوبٌ، وَذَلِكَ مَعْقُولٌ بِمَا عُلِمَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ لَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ: لَا نُسَلِّمُ احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِيهِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةً مَعَ ظُهُورِ الظَّنِّ الْغَالِبِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ احْتِمَالِ الْخَطَأِ فِيهِ لِمَا كَانَ الظَّنُّ فِيهِ غَالِبًا.

وَعَنِ الثَّالِثَةِ: مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ غَايَةَ مَا يُقَدَّرُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ مُنِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي بَعْضِ صُوَرِ وُجُوبِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا، بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ اخْتِصَاصِ تِلْكَ الصُّوَرِ بِمَعْنًى لَا وُجُودَ لَهُ فِي غَيْرِهَا ; تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ.


(١) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَفِي سَنَدِهِ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ التَّمَّارُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا، وَفِي سَنَدِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ أَوِ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ مَرْفُوعًا كُلٌّ مِنْهَا فِيهِ مَطْعَنٌ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ انْظُرْ نَصْبَ الرَّايَةِ وَتَلْخِيصَ الْحَبِيرِ وَمَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاقِلُ عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>