للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي الْفَرْقُ، وَذَلِكَ إِمَّا بَيْنَ السَّرِقَةِ، وَمُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ ; فَلِأَنَّ دَاعِيَةَ الْأَرَاذِلِ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ مُتَحَقِّقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، فَلَوْلَا شَرْعُ الْقَطْعِ لَكَانَتْ مَفْسَدَةُ السَّرِقَةِ مِمَّا تَقَعُ غَالِبًا، وَلَا كَذَلِكَ فِي مُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ.

وَإِمَّا بَيْنَ الظِّهَارِ وَالرِّدَّةِ فَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى شَرْعِ الْكَفَّارَةِ فِي الرِّدَّةِ دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى شَرْعِهَا فِي الظِّهَارِ، وَذَلِكَ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الرِّدَّةِ مِنْ شَرْعِ الْقَتْلِ الْوَازِعِ عَنْهَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ، وَرُبَّمَا أَوْرَدَ الْأَصْحَابُ مُنَاقَضَةً عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِالْقِيَاسِ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُجَامِعِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُمْ فِي حَقِّ الْمُجَامِعِ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ مُومَأٌ إِلَيْهَا فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ، وَهِيَ عُمُومُ الْإِفْسَادِ، فَالْحُكْمُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يَكُونُ ثَابِتًا بِالِاسْتِدْلَالِ أَيْ بِعِلَّةٍ مُومَأٍ إِلَيْهَا لَا بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، إِذْ هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ لِضَرُورَةِ اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ، وَالْعِلَّةُ إِذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً أَوْ مُومَأً إِلَيْهَا، فَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا بِالنَّصِّ لَا بِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَمَهْمَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مُلْتَفَتٍ إِلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ لِاسْتِقْلَالِ النَّصِّ بِاعْتِبَارِهَا، فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ.

وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَا نَظَرَ إِلَيْهِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ النَّصَّ قَدْ دَلَّ فِي الْوِقَاعِ عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَى الْعِلَّةِ، فَالْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إِذَا كَانَ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْقِيَاسِ وَلَا بِالنَّصِّ ; لِعَدَمِ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْعِلَّةِ، وَلَا إِجْمَاعَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَمَا كَانَ ثَابِتًا لَا بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ، فَالَّذِي ثَبَتَ بِهِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِدْلَالِ (١) .


(١) انْظُرِ الْأَصْلَ السَّادِسَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدْلَالِ وَأَنْوَاعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>