مبتسماً، ويسابقه بالسلام، وكاد سليم الصدر من الغش والحسد، ملازماً على الذكر، مشغول القلب بالله تعالى، وكان يقرأ عنده جماعة بتربة عمر بن منجك، منهم رجل اسمه موسى الرشاني، فمرض. فقال للشيخ حسن: إني دفنت في موضع كذا سبعين أشرفياً قايتبائياً أخرج علي منها، والباقي لك لا أستحق فيه حقاً دونك، فمات موسى المذكور، وصرف عليه الشيخ أشرفيين، وبعد أيام حضر ابن عم له، فسأل: هل خلف شيئاً؟ فأحضر له جميع المبلغ المذكور، ودفعه إليه، ولم يأخذ شيئاً، وكان بميدان الحصا امرأة غاب عنها زوجها، ولها أولاد أيتام، وكان الشيخ يجمع لها من الفطرة كل سنة ثلاثة أكيال، فاستاجر في بعض السنين من رجل يقال له عمر الإقبالي الحمصي حماراً يحمل عليه القمح، فذهب مع الشيخ إلى بيت تلك المرأة، فلما أفرغ المغل رأى المرأة قد أقبلت على الشيخ، فدعت له، ولم يرد عليها الشيخ ولا كلمة، ولا أعارها طرفه. قال: فرأيتها امرأة جميلة، فلما كنا في أثناء الطريق. قلت له: يا سيدي هذه امرأة جميلة، ولم لا تتزوجها؟ قال: وما أعلمك بأنها جميلة. فقلت: قد رأيتها، فقال: هه - كلمة تعجب وزجر - قال: ولم يخاطبني، ولم ينظر إلي بعد ذلك يومين، وكانت هذه عادته مع الأرامل والأيتام يتفقدهم، ويملأ لهم الماء، ويقضي حوائجهم، ويدفع إليه مما يدفعه إليه أهل الخير من زكوات أموالهم، وكانوا يستحبون دفع الصدقات والزكوات إليه ليصرفها على مستحقيها ثقة بأمانته، وديانته، ومعرفته للمحتاجين، والحكايات عنه في ذلك كثيرة، ولما كان سيدي محمد بن عراق بالصالحية في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. قام في عمارة الرصيف الذي بدرب الصالحية، فكان الشيخ الحبار يمضي ويعاونهم في عمارته، ويضرب لثاماً كي لا يعرف، فقدر أنه مرض، فجاء إليه سيدي محمد بن عراق " مختفياً "، وأهدى إليه هدية، وذكره في سفينته، فيمن صحبهم في طريق الله تعالى، وشهد فيه أنه من الأخيار، وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه يوم الاثنين ثالث عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الصغير قريباً من تربة عمر بن منجك. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - ورأيته بعد موته في المنام، فقلت له: كيف وجدت الله. فقال: خير موجود رحمه الله.
٣٨٣ - حسن بن عيسى الفلوجي: حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل، العالم الحنفي بدر الدين اشتغل قليلاً على الزيني بن العيني، واعتنى بالشهادة، ثم تركها، وحضل دنيا واسعة، وحج سنة عشرين، وجاور، وولي نظر الماردانية والمرشدية، ونزل له أخوه شمس الدين عن تدريسها، وعدة مدارس، ولم يكن فيه أهلية فتفرقها الناس