وخلائق لا يحصون، واجتمع بالجامع المذكور ونواحيه أمثالهم اغتناماً للصلاة عليه، وقاربوا أن يدخلوا به وإذا بقصاد ملك الأمراء يحمله إلى سبيل أمير المؤمنين ليظفر بالصلاة عليه، وكان الشيخ عبد الوهاب الشعراوي قد رأى قبل موته مناماً وقصه عليه، وكاشفه به قبل أن يخبر به وقال له يوماً، وهو بين يديه يطالع له في شرح البخاري: قف واذكر لي ما رأيت في هذه الليلة، فقال له: رأيت أني معكم في مركب، وأنت جالس عن يسار الإمام الشافعي، فقلت لي: سلم على الإمام، فسلمت عليه، ودعا لي والمركب مقلعة في بحر مئل عباب النيل، ورأيت المركب كلها مفروشة بالسندس الأخضر وكذلك القلع والحبال كلها حرير أخضر ومتكآت خضر، فلا زلنا مقلعين حتى انتهينا إلى جنينة عظيمة أصولها في ساحل البحر، وثمارها مدلاة من شراريف الحائط. قال: وطلعت أنا من المركب إلى البستان، فرأيت حوراً حساناً يجنين من الزعفران في قفاف بيض على رؤوسهن كل قمعة من الزعفران قدرها في الجرم إسباطة البلح. قال: فأستيقظت. فقال له شيخ الإسلام زكريا. إن صح منامك، فإني سوف أدفن بالقرب من الإمام الشافعي، وكان حاضراً بالمجلس حينئذ الشيخ جمال الدين الصافي، والشيخ أبو بكر الظاهري، فلما توفي شيخ الإسلام زكريا فتحوا له فسقية في باب النصر، فقال الشيخ جمال الدين الصافي للشعراوي: أين رؤياك؟ قال: فقلت له: إن الشيخ قال: إن صحت رؤياك. قال: فبينما نحن كذلك، وقد كفن الشيخ، وما بقي إلا حمله جاء قاصد ملك الأمراء خاير بيك فقال: إن ملك الأمراء ضعيف، ولا يستطيع أن يأتي إلى باب النصر، ومقصوده أن تحملوه إلى سبيل المؤمنين ليصلى عليه، فحمل إلى الرميلة، وصلي عليه هناك، فلما صلوا عليه قال ملك الأمراء: ادفنوه عند الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - ثم حمل نعشه مالك الأمراء وغيره، ومشى أمامه الأمير جانم الحمزاوي، والقضاة، والعلماء، والأمراء، والخاص، والعام. قال الشعراوي: وكانت جنازته مشهورة ما رأيت أكثر خلقاً منها، قال العلائي: ودفن بالقرافة الصغرى بتربة الشيخ نجم الدين الخويشاتي بقرب قبر الإمام الشافعي في فسقية جديدة أنشأها القاضي شرف الدين قريب بن أبي المنصور لنفسه - رحمه الله تعالى - وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة بعد صلاتها رابع أو خامس جمادىالآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة قال ابن طولون: وأخرت الصلاة عليه لاشتغال الناس بالفتنة الغزالية - رحمه الله تعالى -.
٤٢٢ - زكريا المصرفي: زكريا القاضي زين الدين المصري الشافعي، وهو غير شيخ الإسلام القاضي زكريا المتقدم ذكره. كان قاضياً بمصر العتيقة مظهر للشهامة، وعنده دعوى صحب الشيخ جلال الدين السيوطي، والشيخ نور الدين الأشموني، ولم يحمد العلائي سيرته،