للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان اجتماع سيدي محمد بن عراق به أولاً هناك، ولما دخل بيروت مكث ثلاث أيام لم يأكل شيئاً، فاتفق أن ابن عراق كان هناك، وأتى بطعام، فقال لبعض جماعته: ادع لي ذلك الفقير فقام السيد علي بن ميمون، وأكل، وقال ابن عراق لأصحابه: قوموا بنا نزور الإمام الأوزاعي فصحبهم ابن ميمون لزيارته، ففي أثناء الطريق لعب ابن عراق على جواده كعادة الفرسان، فعاب عليه السيد علي بن ميمون. فقال له: أتحسن لعب الخيل أكثر مني؟ قال: نعم، فنزل ابن عراق عن فرسه، فتقدم إليه سيدي علي، فحل الحزام وشده كما يعرف، وركب ولعب على الجواد، فعرفوا مقداره في ذلك، ثم انفتح الأمر بينهما إلى أن أشهر الله تعالى الشيخ علي بن ميمون، وصار من أمره ما صار. قال الشيخ موسى: كذا أخبرني علي الغرياني المغربي شيخه علي الكيزواني، عن سيدي محمد بن عراق، وقال في الشقائق: إنه دخل القاهرة، وحج منها، ثم دخل البلاد الشامية، وربي كثيراًمن الناس، ثم توطن بمدينة بروسا، ثم رجع البلاد الشامية، وتوفي بها.

قال: وكان لا يخالف السنة حتى نقل عنه أنه قال: لو أتاني السلطان أبو يزيد بن عثمان لا أعامله إلا بالسنة، وكان لا يقوم للزائرين، ولا يقومون، وإذا جاءه أحد من أهل العلم يفرش له جلدة شاة تعظيماً له، وكان قوالاً بالحق لا يخاف في الله تعالى لومة لائم، وكان له غضب شديد إذا رأى في المريدين منكراً يضربهم بالعصا. قال: وكان لا يقبل وظيفة ولا هدايا الأمراء والسلاطين، وكان مع ذلك يطعم كل يوم عشرين نفساً من المريدين، وله أحوال كثيرة، ومناقب عظيمة. انتهى.

وكان من طريقته ما حكاه عنه سيدي محمد بن عراق في كتاب السفينة أنه لا يرى لبس الخرقة ولا ألباسها وذكر الشيخ علوان رضي الله تعالى عنه أنه كان لا يرى الخلوة، ولا يقول بها، وكان إذا بلغه أن أحداً سبه، أو ذمه، أو نسبه إلى جهل، أو فسق، أو بدعة يتأول ما يتأول عنه، وكان يقال عنه: كناز وكيماوي ومطالبي فيقول: نعم أنا كناز، وعندي كنز عظيم، ولكن لا يطلبونه ولا يسألوني عنه، وأنا كيماوي ولكن لا يطلبون ما عندي من الكيمياء، وأنا مطالبي وعندي مطلب نفيس مزهود فيه، ويشير إلى كنز العلم، ومطلب المعرفة، وكيمياء الحقيقة، وكان كثيراً ما يقول: جواب الزفوت السكوت، ومن وصاياه: إجعل تسعة أعشارك صمتاً، وعشرك كلاماً، وكان يقول: الشيطان له وحي وفيض، فلا تغتروا بما يجري في نفوسكم وعلى ألسنتكم من الكلام في التوحيد والحقائق حتى تشهدوه من قلوبكم، وكان إذا أتاه متظلم من الحكام يقول له: أصلح حالك مع الله، فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه، وبين خلقه، وكان ينهى أصحابه عن الدخول بين العوام، وبين الحكام، ويقول: ما رأيت لهم مثلاً

<<  <  ج: ص:  >  >>