وزيارته، ثم عاد إلى دمشق وبقي على عادته من زيارة شيخه كل سنة مرة بعد موت شيخه، حتى لحق به، وكان في بداءته ينظر بستاناً بحماة وفيه العنب والتين، وكثير من أنواع الفواكه، فيقطفون العنب وغيره، ويبيت في البستان فيصبح وعليه الندى فيكتسي بذلك حسناً فلا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه ولا يأكل منه حبة واحدة وبقي على ذلك سنين، كما قرأت ذلك بخط الشيخ موسى الكناوي، وذكر أنه سمع ذلك من لفظ الشيخ عمر قال: وسمعته مرة يقول كنت مرة أنظر في بستان، وكان أيام الدراقن الخواجكي، وكنت أقطف من ذلك لصاحبه، ويبيت في الإناء فيصبح وعليه الندى فتتوق نفسي إليه فأمنعها، وكذلك كنت أفعل مع نفسي في جميع الفواكه انتهى.
قلت: وكذلك كان يعامل أصحابه ومريديه بالمجاهدات الشاقة. على النفوس، وكان ربما أمر بعضهم فيركب على بعير ويعلق في عنقه بعض الأمتعة، ويأمر آخر أن يقود به البعير، وهما يجهران بذكر الله تعالى كما هو المشهور من طريقته، وبلغني أن أتى بعض أصدقائه ذات يوم إلى بستانه، فذهب وذهب معه الفقراء، فلما دخل من باب البستان وجد ساقية ماء، فشرب منها وأمر الفقراء أن يشربوا من الماء فشربوا، ثم قال: كل ما في البستان أصله من هذا فقد أخذنا كفايتنا منه، فارجعوا فرجع ورجعوا معه، ولم يتناولوا من فاكهة البستان شيئاً، وبلغني أن إنساناً جاء إليه يطلب الإرشاد، والتزمه فأمره أن يعترف بين يديه بظلامات الناس ليأمره بالتوبة منها، والتحلل، وكيف يتوب ويخرج من المظالم، فاعترف بين يديه بقتل إنسان عمداً فقال له: لا بد أن تعترف لأوليائه وتطلب منهم العفو، فإن عفوا كان طريقك مبيناً على أمر صحيح، وإن اقتص منك خرجت من عهدة الجناية في الدنيا باستيفائهم منك ما لهم عليك من القصاص والصبر على القصاص في الدنيا أهون من الصبر على عذاب الآخرة، ففعل واعترف عند أولياء القتيل، فامسكوه وضيقوا عليه، واستعدوا عليه عند الحاكم، ثم لما بلغهم قصته مع الشيخ عمر عفوا عنه، ووهبوه له، ومر بعض الأيام على أحد فقرائه، فاشرف عليه فوجد نظره طامحاً إلى غلام جميل الصورة فجاء الشيخ حتى حاذاه، وأوقع بصره عليه ففطن الرجل أن شيخه أشرف عليه، فخجل وقال يا سيدي: ما وقفت هنا إلا أتعجب من صانع هذه الخلقة الشريفة، ومصور هذه الصورة البديعة، يا سيدي ما أحسن تلويز عينيه، وحمرة خديه وبياض وجهه، وكذا وكذا فقال له الشيخ: رحمه الله تعالى انظر إلى زنجي أسود شديد السواد على رأسه طرطور، والناس يضحكون منه يا كذاب، وهلا تعجب من خلقة هذا الأسود، وتعجبت من شدة سواد بدنه، وشدة بياض أسنانه، وطالعت صنعة الله فيه من غير أن يكون للشرع عليك إنكار فيه بخلاف نظرك في هذا الأمرد الجميل، فإنك ممنوع منه شرعاً، وكيف يكون طريق الله فيما حرمه الله