متكيفاً يأكل البرش والأفيون كثيراً لا يكاد يصحو منه، وربما قرأ الناس عليه في علوم شتى، وهو يشرد، فإذا فرغ القارىء من قراءته المقالة فتح عينيه، وقرر العبارة أحسن تقرير، وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبة الأشكال، والصور الحسنة حتى رمي، واتهم، وكان لا يتحاشى عن مخالطة المراد الحسان، وكان هجاء تتفق له النكات في هجائه، وفي شعره، ولو على نفسه، وكان مغالياً في نصرة القهوة المتخذة من البن غير منكر له وله فيها مقاطيع مشهورة، ولطائف غير منكورة، وربما كان يراجع الطلقات الثلاث، وكان يقع في حق العلماء، والأكابر، وإذا وصل إليه نوال من أحدهم مدحه، أو أثنى عليه، وكانوا يخافون من لسانه، ولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زماناً طويلاً مع الوظائف الدينية، وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به وأنبل من تخرج به في الشعر، والعربية العلامة درويش بن طالوا مفتي الحنفية بدمشق ومدرس السليمانية بها، وسلك طريقته فيما هو فيه، وكان الشيخ أبو الفتح المالكي حجته في كل ما يأتيه، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: قدم حلب سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، واتفقت بيننا، وبينه جمعية بجامعها، وشهدنا له محاضرة جيدة في فنون شتى قال وكان قد سألني يومئذ سؤالاً نحوياً رمزت إلى جوابه في المجلس، ثم أوضحته في هذه الأبيات وبعثت بها إليه:
أيا من له التحقيق في كل ما فن ... ومن شأنه الإتحاف من غير ما من
جوابك لي قد مر رمز جوابه ... لديك، وقد شوهدت متقد الذهن
سألت عن التنوين في جمع حاجة ... أليس لتمكين على القطع لا الظن
وهل منع حاجات عن الصرف واقع ... ليمنع تمكيناً به صاحب الفن
وقد مر في المغني لنا غير مرة ... جوابك منقولاً وناهيك بالمغني
ومحصوله أنا وجدناه ثانياً ... وقد صير اسماً ذلك الجمع ياخدني
ولكنني مولاي مستشكل له ... وما لي صريح من جواب ولا مكني
أفقدك للتنوين من بعد موجب ... لمنعكه من قبل يا من له نعني
وهل مانع من أن يكون مقابلاً ... وتنوين تمكين معاً عند ذي ذهن
وهل مثبت التنكير في رجل له ... محيد عن التمكين كالسبب الحزن
كما أنه لا منع من جمع ذاكذا ... فلا منع فيما نحن فيه فقس وابن
وجد لي بشعر من قريضك ألقه ... عزيز عزيز المثل يا مقتدي معن